حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,24 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 3973

فاصل، التغطية مستمرة

فاصل، التغطية مستمرة

فاصل، التغطية مستمرة

29-05-2022 11:01 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : لما صالح
قتلة الأنبياء، ومع فظاعة هذا التعبير وصدقه التاريخي المثبت بالكتب المقدسة إلا أنهم لايتوقفون عن وضعنا في موقف الاستهجان والحرقة ، وعدم التصديق لأفعال بشعة يأباها حتى العقل الإجرامي.
نستيقظ على خبر ليس كالأخبار العادية، مقتل، استشهاد بصرف النظر عن المسميات والخبر لمن؟ شيرين أبو عاقلة.
ما الجديد ليست أول صحفية تقتل ويغدر بها. وهنا الوقفة؛ اعتراف صريح لا رياء فيه ولا تهويل خلاصته أن الجميع فجع بالخبر، وكان صدمة لأنفسنا كم نكِنّ لهذه الإنسانة من محبة وانجذاب لمهارتها وحرفيتها وشخصيتها، ما دعا بالبعض إلى استهجان تلك المشاعر الجياشة التي فاضت بها قلوب الناس على غير المتوقع.
ومما يصعب شرحه أن مواليد الثمانينيات على سبيل المثال وأنا منهم كبرنا على صوتها وتقاريرها، كنا صغارا لاتتجاوز الحادية عشرة من العمر نجلس نسمع صوتها الهادئ وتقريرها الحرفي الصارخ الذي يشفي الغليل، ونتمنى لو كنا مكانها خلف ذلك الميكروفون بقوتها وإقدامها ومهارتها في نقل الحدث، وكنا نميز أن تقريرا تعده شيرين تطل فيه خلف الكاميرا يختلف عن غيره.
كل ذلك الحب ونحن لم نعرف أنه حب، وكل ذلك ونحن لا نعرف عنها إلا مهنيتها ولا نعرف عن الجانب الإنساني في شخصيتها شيئا، لم يكن يهمنا إلا خروجها هي لتغطية الأحداث، لم نهتم وقتذاك لحياتها الشخصية ولا لديانتها !!!
مع اغتيالها ظهرت أشياء للعلن؛ ديانتها وحياتها الشخصية والجزء الإنساني الذي كان مخفيا عنا. وهنا كان المقتل الثاني لها ولقضية ناضلت من أجلها، لتقف في عقلي كما في كل مرة قصة الجراد في المدينة لزكريا تامر التي تلخص حالنا نحن العرب وتعري سطحيتنا وتركنا لما هو أهم، في قصة الجراد نسوا الجراد الذي سيأتي على محاصيلهم وحياتهم وكل شيء وانشغلوا ماذا يرتدون وماذا يغنون وماذا يهتفون…. أكلهم الجراد وهم لايزالون منشغلين مختلفين!
في اغتيال شيرين درس وحدة أُغفِل عمن هم خارج فلسطين؛ احتلال غادر يستهدف كل مدافع ومجاهد وناطق بالحق فاضح للاحتلال وجرائمه لا يفرق بين مسلم ومسيحي كلهم عنده سواء تحت القنص والاغتيال والأسر. مشهد يذكر بضرورة توحيد الصف ضد عدو مشترك لنصرة قضية عادلة، صف يدرك أهل فلسطين أنهم فيه سواء ويد واحدة ومصاب واحد وهدف واحد.
ويأتي هنا من هو بعيد عن حياتهم ومعاناتهم اليومية تحت ظلم الاحتلال ليترك سيرة نضالية كاملة حملت صاحبتها روحها على كفها يوميا لتوثق جرائم العدو ويعيب على أناس بسطاء قولهم: الله يرحمها.
أنظر في مشاهد التلفاز لأرى أم شهيد تبكي شيرين بحرقة تستذكرها وهي تبحث معها عن اولادها تحت الأنقاض وقد اتسخت ثيابها وجف حلقها. وهل من هم أغلى على الأم من أولادها! فما بالنا وهي تحفظ لها هذا الشيء في موقف الهم والرعب والقصف. هل قصدت امرأة بهذه البساطة وهذه المشاعر الطعن في الدين؟!! هل قصدوا جميعا وقد رافقتهم في مصابهم أن يفضلوها على الدين أم هي مشاعر فاضت بها قلوبهم عرفانا !!
ومما يبكي أيضا، أن تخرج حياتها الشخصية للعامة ويفاجأ الجميع بمساعدات للايتام ووجبات للصائمين المرابطين وغيرها… وهنا تحديدا أقف: ألم يخجل المجادلون من الطرفين من أنفسهم، ألم يكن المقام كافيا لالتزام الصمت والتركيز على مسيرتها وفضح بشاعة الاحتلال الذي لم يحترم حتى وضعها في التابوت واعتدي عليها في مشهد يدمي القلوب حزنا وغضبا.
في هذه المواقف احترام المقام والموت واجب. يكفينا ويكفي كل مجادل عن بعد أنه لم يختبر صوت الرصاص بل لم يختبر أن يقف أمام ترسانتهم ووابل القصف فوق رأسه، فما بالنا بناقل للحقيقة عين على العدسة والقلب مضطرب أن يكون هدف قنص في أي لحظة!
ونصمت خجلا مراعاة لمشاعر محبيها من الأصدقاء والأقارب وممن امتدت لهم يدها في عطاء صادق لم يكن رياء ولا مفضوحا للعلن، وأظن هؤلاء أكثر تأثرا ووجعا لرحيلها.
نصمت كرامة لشعب أحبّ صوتها المدافع عنهم ونقلها للحقيقة من غزة إلى جنين إلى حي الشيخ جراح… عرفوها قربا حقيقيا ومعرفة شخصية.
نصمت خجلا أمام مهنية عالية ومدرسة في نقل الخبر الصادق الحر. ونخجل أمام أمنيتها أن تغطي تحرير الأسرى وتوحيد الفصائل.
نصمت متواضعين خجلين من أنفسنا أمام شعب واعٍ ترك كلّ تلك المجادلات العقيمة وخرج مسلموه ومسيحيوه في جنازة لم تشهد فلسطين في تاريخها الحديث مثيلا لها بمسافة لا يتخيلها عقل لم نميز المسلم من المسيحي، هتافهم واحد ومصابهم واحد، يتنافسون أيهم يحافظ على النعش، ويحرصون على تقديم جنازة تليق بحياة لم تر منها صاحبتها إلا نقل الخبر الصادق وقوفا أمام محتل غادر، في وقت لا نعرف فيه نحن المجادلون كم سيكون عدد المشيعين وقت موتنا !!
كان حقا لها الاحترام، وحقا أن يضاء على مسيرتها. هي الآن عند ربّ كريم … نسكت فمقام الموت عظيم وبشاعة ما حصل أقوى من الكلمات.
واعتراف لها أنه يصعب لمراسل أو مراسلة أن يكون بحرفيتها وإتقانها باعتراف من طاقمها أنه على مسيرة خمسة وعشرين عاما لم يجدوا خطأ في اللغة أو الخبر مما كانت تغطيه شيرين.
وعزاء لمن كانت تساعدهم، وتقف إلى جانبهم في الخفاء.. هم وحدهم حكاية.
وعزاء لمصداقية وتفان في العمل نادرين مع كاريزما جميلة هادئة.
أعطوا الموقف مقامه، ونحوا الجدل
واتركوا لله خلقه.











طباعة
  • المشاهدات: 3973
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-05-2022 11:01 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم