05-06-2022 09:04 AM
سرايا - تناول تجربة الشاعر العراقي حميد سعيد الكثير من النقاد والدارسين، وبقيت جميع تلك المصادر في ذاكرة المتلقي؛ لما تحمله من كشوفات وقراءة وتحليل لخطابه الشعري منذ ستينيات القرن المنصرم إلى يومنا هذا، نقف عند كتاب إنصاف قلعجي والموسوم بـ(تطواف في حدائق الموريسكي) الصادر عن دار هبة ناشرون وموزعون، تضعنا هذه الناقدة منذ العتبة الاولى عند اهمية اسم حميد سعيد في الشعرية العراقية والعربية وما تبهره قصائده من فيض شعري وسردي معا وحواراته ورؤيته حيال الشعر وقضاياه، بالإضافة الى الثقافة كعلامة حية على وجود ذلك الجيل الذي قدم منه هذا الشاعر.. إنصاف قلعجي توسع من قراءتها لشعرية سعيد، فتشير الى المدن التي زارها وتجول فيها، بالإضافة الى ازقة وشوارع المدن العراقية وتقارن بين تأثير المكان العراقي على نفسية الشاعر مع مدن عربية وغربية زارها وتطلّع الى معالمها وتجد ان للمكان تمثيلا حقيقيا في الوجدان والذاكرة، مقارنة بين ذلك في شعرية نصه وما اعلنه حميد سعيد بقوله (إني ضعيف الإحساس بالمكان)، وهذا الضعف هو إحساس بالانتماء لمكان النشأة في مدينة بابل، تلك المدينة التي جذبت شاعرنا وسحرته واطمأن لها. وتفرد الناقدة قلعجي مجالا موسعا في كتابها لتقرأ ما يجول في نفسية سعيد من حب خالص نحو المرأة مستشهدة بالعديد من نصوصه القديمة والجديدة؛ إذ ترى أن المرأة تدخل إلى عمق نصوصه الشعرية، لهذا تبدو قصيدته محملة بالشأن الإنساني الجامع للأنثى والرجل، ليس من باب التعطش للجنس انما لتعزيز العلاقات الانسانية، فمثلما تشير الناقدة الى اهمية المرأة في نصه تجدها مقدسة في شعره ووجدانه وليس غريبا على شاعرنا ان يضع الموازين في قواعد التركيز شعريا، وهذا ما فعله في الطابع الرمزي ومجاله الشعري حينما لجأ الى توظيف بعض الشخصيات في نصوصه وركز على ان يجعل منها محاكاة تحتوي على إيماءات داخل معنى النص..تسعى مؤلفة كتاب (تطواف في حدائق الموريسكي) إن تجعل القارئ ملما بثمار شجرة حميد سعيد الوارفة سواء تعلق بحيثيات التوظيف الرمزي او الاسطوري والجمالي معا فهي تعي ان لحميد سعيد مشروعا شعريا اختلف من خلاله مع الكثير من جيله وبدت مظاهر اسلوبيته واضحة للجميع ومضى على ذلك في اكثر من مجموعة شعرية منذ نهاية الستينيات حتى اخر اصداراته في الوقت الراهن لهذا تراهن المؤلفة على شعرية سعيد وعلى منجزه وتعيد التذكير بثقافة هذا الشاعر ورؤيته حيال العالم ومتغيراته وتقرأ ما يجول في وجدانه وما يتطلع اليه.
ما المختلف في هذا الكتاب؟
ما يميز كتاب المؤلفة انصاف قلعجي تلك القراءة الشاملة لنصوص حميد سعيد، فهي تدافع عن رؤية شاعر خبر لغة الشعر منذ ان امدنا بتجربة مختلفة، وتكشف عبر قراءتها لمضامين انسانية وجمالية في شعريته معتمدة على ثقافتها الحية والمختلفة حينما تعيد التذكير للقارئ بمستويات التوظيف الرمزي والاسطوري واليومي في متن ما انجزه سعيد، لقد ميز الكتاب قراءته الهادفة والمتعددة سواء ما تعلق منها بصدق شعريته او بطابع الاختلاف من حيث بينة الشعر والموسيقى والايقاع الداخلي والمستويات الفنية العالقة في قصائده ودفاعه عن قصيدته وموقفه من قصيده النثر الغربية والعربية معا بحق لقد قدمت المؤلفة للقارئ اكثر من رؤية تحليلية لنصوصه الشعرية وكشفت اسرار قصيدته وما تحمله من دلالات رمزية وتعيد بتفاعل كبير ما تتضمنه قصائده من تجديد سواء على مستوى اللغة او التزاوج بين الشعري والسردي والتشكيلي وكل تلك المشتركات تبينها المؤلفة وفقا لتحليل يوضح مسار ومقاربة النص الشعري، ولعل الملفت فيما تختلف فيه السيدة قلعجي أنها لا تشترط لقراءتها منهجا معينا بل وضعتنا أمام شعورها وإحساسها اتجاه القيمة الشعرية لاسم حميد سعيد، لهذا يأخذنا الكتاب عبر أكثر من بوابة ومقاربة وتصور ليكون في آخر المطاف تطوافا في نصوص شاعر له مكانته بين جيله.