06-06-2022 11:57 AM
بقلم : الدكتور المهندس أحمد الحسبان
لا أدري من يودع من؛ الحالُّ هو من يودعُ المرتحلَ عادة، ويستودعه لحين عودته، لكن الذين انتقلوا لرحمة الله حلوا في مثواهم الأخير الآن - عند رب رحيم، ونحن الذين لا زلنا مسافرين مرتحلين في شعاب الدنيا، ولا بد يوما أن نستقر مثلهم، وتنتهي مشاويرنا فيها كما انتهت لهم.
لم يقولوا وداعا عند الرحيل، لأنه ليس برحيل بالنسبة لهم، لم يستعجلوه ولم يستأخروه، وما كان ينبغي لهم ذلك، لأن الذي يدخل بيته ومكان اقامته الدائم لا يودع احدا خارجه، ولا يستأذن احدا داخله كذلك، الباقون الاحياء هم من يجب ان يقال لهم وداعا، لكن يبدو ان اللحظات الاخيرة فاصلة وسريعة لا تمكن احدا من قولها، لا الحالّ منهم ولا المرتحل، لم يكونوا يعلمون ان الطريق قد انتهى، لقد كانوا مسافرين معنا ومثلنا، وعادوا فجأة لبيوتهم في بطن الارض، بلا استئذان ولا وداع.
الواقف على شاطئ الحياة ينتظر سفينة الابحار فقط، لتعود روحه من حيث أتت، وجوده عليه وجود مؤقت، تماما كوجود السلحفاة البحرية على السواحل، بالكاد تقضي سويعات عليه، تأتي من عمق المحيطات، تضع بيوضها على الساحل، وتعود من فورها لعمق المحيط من حيث جاءت، بعد حين، تلحقها صغارها لذات المكان. الدنيا كهذا الساحل، حاضنة مؤقتة للبيوض والصغار فقط، لا حياة دائمة فيه، كلنا عليه في نزهة قصيرة ممتعة، وسنعود لبيوتنا مع غروب شمس آخر يوم فيها.
لا أحد يعلم موعد عودته من تلك الرحلة، والعاقل ربما يراها فرصة لحياة طيبة جميلة، لا يحسد، لا يحقد، لا يطمع، لا يكذب، ولا يؤذي أحدا فيها، وهل يؤذي المتنزه جاره المتنزه معه في رحلة تجمعهما بذات حديقة! حتما لا، بل يتعارفون، ربما يتشاركون الطعام معاً، يتجاذبون اطراف الحديث بهدوء، ومن ثم يعود كل منهما لبيته سعيدا، حيوات البشر كذلك، دقائق معدودة في منتزهات الدنيا، لا مجال لتضييعها فيما لا فائدة منه من تباغض ومطاحنات ومشاكل، ربما تعكر صفوها، وتكسر شفافية هدوءها، وتذهب سعادتها، وربما تعيد صاحبها لبيته الدائم قبل حلول موعد انتهائها كمدا وقهرا.
خلاصة القول، طالما هي رحلة ذات متاع قليل، ومشوار قصير نهايته عودة مفاجئة، اذن لا فائدة من التشبث والتخييم في متنزهاتها المختلفة، ولا فائدة من مقارنات الانداد خلالها، ولا نفع منها الا ما يؤكل فيفنى، ويُلبس فيبلى، ولا زاد منها الا ايمان صادق بحتمية الرجوع لله بقلب سليم، خال من الاحقاد والنعرات، لا داعي للضجيج الصاخب فيها، ويكفي منها هدأة صمت، وسلوة نفس، وخلوة بطبيعة جذابة، لا غوص في بحورها باختناق، ولا صعود بسمائها بنفاق، ولكن؛ عيشٌ سطحي، راضٍ عنه ومرضي.
من مقالات - الصمت في عالم الضجيج.
د. م. أحمد الحسبان
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-06-2022 11:57 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |