حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,25 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1732

ما لا يحدث في سنين طويلة قد يحدث في دقيقة؛

ما لا يحدث في سنين طويلة قد يحدث في دقيقة؛

ما لا يحدث في سنين طويلة قد يحدث في دقيقة؛

27-06-2022 11:46 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور المهندس أحمد الحسبان
الاتكال على الله لا يعني الا يؤخذ بالاسباب، بل يجب ان يعتقد ايمانا انها هي الوسيلة المادية لوصول الهدف المرجو منها، تماما كمن يركب قاربا للوصول لضفة النهر الاخرى، يقينه الراسخ انه سيرسو عليها لا يعفيه ان يستخدم قاربه لذلك. وكما قال الدكتور النابلسي في شرحه لهذا المفهوم؛ الاخذ بالاسباب وكأنها كل شيء، والاتكال على الله تعالى وكأنها لاشيء، وكما قال الدكتور مصطفى محمود؛ ان الكافر الذي يحسن السباحة ينجو من الغرق بينما يغرق المؤمن الذي لا يحسنها اذا ما تعرضا لذات الاختبار. فما هي الا وسيلة لغاية ما، هذه الغاية مقدرة بعلم الله مسبب الاسباب، وهو مقدر الاقدار ورافعها واللطيف بعواقبها. ولكن ما حدث بمقتل الطالبة المغدورة داخل حرم جامعة خاصة هو دليل واضح على التواكل وقلة الاخذ بالاسباب، ودليل على الرهان الخاسر على وجود فضائل الاخلاق الحميدة لدى البشر، والآخذة بالتناقص في عصرنا هذا لدى شريحة كبيرة من الشباب الطائش.

ففي ظل شح الامكانيات المادية لتركيب انظمة حماية اليكترونية، تشمل بطاقات الدخول الممغنطة للمصرح لهم او/و الماسح الاليكتروني وكاميرات المراقبة و انظمة مكافحة غير المصرح لهم بالدخول حال دخولهم عنوة وغيرها من تلك المستخدمة في الجامعات والمؤسسات الغربية، في ظل شح تلك الانظمة الشاملة - تعتمد الكثير من الجامعات الاردنية والعربية في دول العالم الثالث على العنصر البشري كوسيلة أمن وحماية للطلبة وممتلكات الجامعه، ولكن ينقصها استراتيجيات التدريب والتأهيل والمتابعة والتوعية المستمرة لتقليل نسبة الخطأ بادائها.

الامن الجامعي المؤهل المدرب، لا يقل اهمية عن امن وحماية الطائرات من الاختطاف مثلا، فتلك ارواح مسافرين، وهذه ارواح طلاب، وكليهما مدنيين مسالمين بلا سلاح، يتوجهون لمقاصدهم وشؤونهم بين تعليم وسفر، لذا يفترض ان يتعامل أفراد الامن مع كليهما بهدف حماية الارواح اولا، ثم الممتلكات، وعليه وجب اختيارهم من المؤهلين بدورات تمكنهم من الاشتباك بحرفية عالية مع المجرمين ومع غير المصرح لهم بارتيادها، دخولاً: بالتفتيش الدقيق دونما رتابة وتساهل، وخروجاً: عند هروبهم بطريقة مرعبة كما فعل قاتل الطالبة ايمان رحمها الله.

يجب ان تتصف قوة الامن والحماية البشرية بقوة القلب وصلابة البنية الجسدية، والجري السريع، وقدرة المناورة، وحدة النظر، وتمييز الطالب من غيره، وهذا ما توفره دورات الحماية مثل دورات الصاعقة والمظليين للعسكريين، ودورات فنون القتال بالايدي، وبالاسلحة البيضاء والنارية، ودوران التفاوض مع المجرمين والمختطفين، ويفضل لو كانت اعمارهم دون سن الخمسين. ولا يفترض ان يكون توظيفهم كحالات انسانية لتحسين رواتبهم التقاعدية - اذا كانوا من المتقاعدين - على حساب مهام وظائفهم الرئيسة المناطة بهم كبديل عن انظمة الحماية والمراقبة الاليكترونية، فليس كل من خدم بالقوات المسلحة كان بصنف مقاتل، هناك اداريون وفنيون وصنوف اخرى مساندة لا تحسن فنون قواعد الاشتباك. وفي حال كانوا من شركات امن وحماية مدنية مختصة وجب التأكد من توافر اقل متطلبات التأهيل اللازمة لهم.

حدث في تلك الدقيقة المشؤومة ما لم يحدث في سنين طويلة من تاريخ تلك الجامعه، وربما باقي الجامعات، لذا وجب تحليله والاعتبار من درسه القاسي بفقدان طالبة جامعية بمقتبل العمر. فهناك ثغرات امنية حدثت لا تبرير لها الا فشل منظومة الحراسات، ومنها دخول القاتل خلسة مع مجموعة من الطلاب (وبسلاح ناري) وكأنه احدهم، وهذا امر قد يكون انطلى على مجموعة الامن الجامعي على المدخل الرئيسي، لا يبرر ولكن جلّ من لا يسهو، وقد يكون سببه نوعٌ من اعتيادية رتابة العمل لا سيما في نهاية فصل دراسي، حيث قلة اعداد الطلبة و تواجدهم للامتحانات فقط، وهذه الفترات تسمى فترات الراحة (او اليقظة)، وهي عادة ما تشكل ثغرات امنية خطيرة، لكن الذي لا يبرر هو ان يخرج هذا القاتل حاملا سلاحه من امامهم حيث دخل اول مرة، ولا يتم التعامل والاشتباك معه وضبطه او عرقلة حركته على الاقل، فهذا برأيي تقصير واضح لحق بهم - لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين.

لقد صاحب هروب الجاني عنصر المفاجأة، الذي قام باستغلاله جيدا لنجاح هروبه بعد جريمته، و قوبل هذا الهروب المفاجئ بقلة التأهيل والخبرة مع عنصر المفاجأة ومع الحدث نفسه ايضا، وهذه الثغرات الامنية - مادية او بشرية - كانت لصالح القاتل ببناء خطة الدخول والخروج بدون منعه أو الامساك به، حيث اعتقد انه درسها جيدا ليلة ما قبل التنفيذ. ومنها ايضا - وللاسف - عجز كاميرات المراقبة المتوفرة جزئيا ان تكشف هويته، وعجز الاتصالات اللاسلكية الفورية ان وجدت بين أفراد حرس الجامعه في الداخل وعلى المداخل بالقيام بدورها لتخفيف عنصر مفاجأة الهروب وذلك باغلاق البوابة والتحضير للامساك بالجاني، وخاصة بعد سماعهم جميعا صوت اطلاق النار في الجامعه، مما يدل على غياب عنصر التنسيق والتداخل بالمهام بين الحرس بمختلف مواقعهم نتيجة لغياب التدريب التقاطعي. الامر الذي أدى وللاسف الى تأخر القبض على الجاني لغاية كتابة هذا المقال.

خلاصة القول؛ قد لا ينفع حذر من قدر، ولكن الاستعداد واجب حتمي، فإن فشلت الاستعدادات بمنع جريمة القتل، ينبغي ان لا تفشل بالقبض على القاتل بعد تنفيذ جريمته لائذا بالهرب جهارا نهارا بدون ادنى مقاومة، وخصوصا من قبل منظومة حراسات الجامعه التي تشكل الحل المعتمد حاليا لضمان توفير الامن والامان للطلبة، وهذا الاستعداد يحتاج لتدريب مكثف على تهديدات مفترضة مختلفة، ضمن خطط تدريبية دورية ذات تمارين عملية مفترضة بين الفينة والاخرى. وكما قيل نتدرب لنقاتل، ونقاتل كما تدربنا، ونقطة عرق بالميدان تحقن شلال دماء بالمعركة، ومعارك الاجرام الداخلي لا تنتهي، والتي يجب وقف تبعاتها الدامية بالغالي والنفيس من المال، والتفكير جديا بالاتجاه نحو الانظمة الاليكترونية الرادعة وتقليل الاعتماد على العنصر البشري فيها - المتسم بنسية خطأ عالية ومحتملة بأي وقت غفوة منهم كما حدث.

رحم الله الطالبة الفقيدة و الهم ذويها الصبر والسلوان.

الدكتور المهندس أحمد الحسبان








طباعة
  • المشاهدات: 1732
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
27-06-2022 11:46 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم