03-07-2022 05:55 PM
بقلم : م. أنس معابرة
ناقشتُ في الجزء الأول من هذا المقال بعض الظواهر السلبية التي تنتشر في مجتمعاتنا، وخصوصاُ فئة الشباب البالغ أو الشباب الواعد، الذي نتوقع منه البلاء الحسن في قادم الأيام، ولكن خيبات الأمل المتوالية لا تبشر بخير، وتدعونا الى التفكير العميق في الأسباب التي أوصلتنا الى هذه الحال.
إن أول خطوة في إيجاد الحلول لمشاكل الشباب اليوم؛ هو البحث عن الأسباب التي أدت الى تردي أوضاعهم اليوم، ومحاولة معالجة تلك الأسباب، من خلال خلق الأجواء والظروف الإيجابية التي نفتقر اليها، والقضاء على السلبية منها.
وإذا حاولنا البحث عن الأسباب التي أدت الى ذلك التردي العميق؛ نجدها تتلخص في النقاط التالية:
أولاً: ضعف الوازع الديني:
وفي نظري هو من أهم الأسباب، فالوازع الديني هو ما يدعو الإنسان الى الإلتزام بالتعاليم الربانية، حتى في غياب الرقابة عليه، وهو ما كان سبباً في صلاح العديد من المفكرين والأئمة عبر التاريخ. فما الذي يدفع الإنسان الى الصوم مثلاً وتكبّد مشقة الجوع والعطش، وبإمكانه الأكل والشرب دون أن يعلم به أحد غير الوازع الديني؟ وما الذي يمنع الإنسان من السرقة أو التطاول على الحُرمات غير الوازع الديني؟ وما الذي يدفعه الى الإلتزام بالصلاة وقراءة القرآن غيره؟
يتمثل الوازع الديني من خلال إستحضار عظمة الخالق عز وجل، والخوف منه وخشيته، وعبادته حق العبادة، وطلب التوفيق منه.
ويتحقق الوازع الديني من خلال الدفع بالأبناء الى الأجواء الإيمانية المتمثلة في المساجد ودور تحفيظ القرآن، أو شرح بعض الآيات لهم في المنزل يومياً، أو قراءة حديث نبوي وتدارسه معهم بشكل شبه يومي، والتأكيد على المبادئ الدينية الرفيعة.
ثانياً: ضعف الدور الأسري:
طالما أكدنا بأن الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وإذا صلُحت؛ صلُح المجتمع كله، ويترتب على فسدها؛ فساد المجتمع بالكامل.
للأسف ضعُف اليوم التواصل بين أفراد الأسرة، وإقتصر على بعض الأحاديث البسيطة فقط، فالوالدان يهتمان بالدراسة والتحصيل العلمي فقط، ويتناسيان دورهما المهم في توجيه الأولاد نحو جادة الصواب، ويهملان الجوانب الأخلاقية والدينية في التربية.
فربما يكون مجلس ديني يجمعك بأطفالك اسبوعياً؛ سبباً في صلاحهم وتقواهم، وربما تكون محادثة بسيطة في السيارة خلال الطريق الى المدرسة سبباً في نزع فكرة سلبية من رؤوسهم، وإستبدالها بأخرى إيجابية، وربما نقاش بسيط بين الأم وأبنتها خلال العمل في المنزل سبباً في تغيير تفكير الفتاة، وحسن سلوكها مستقبلاً.
لا يسأل الوالدان عن الصلاة بقدر سؤالهم عن الدراسة، ولا يدفعون الأبناء لصيام النوافل وإغتنام النفحات الإيمانية بقدر إهتمامهم بفترة الإمتحانات. لو أنك أيها المربي تابعت أبناءك خلال شهر رمضان أو عشر ذي الحجة في صلاتهم وصيامهم كما تتابعهم خلال فترة الإمتحانات؛ لأخرجت الى المجتمع جيلاً صالحاً.
كما إقتصر دور الأب على الرعاية فقط، فإعتقد أن وظيفته تتمثل في تأمين المأكل والملبس فقط، وهو ما يفعله الإنسان لحيوان أليف إقتناه، وترك وظيفته الأهم في التربية والتوجيه للأم أو المدرسة أو المجتمع، وترك الأولاد عُرضة لإكتساب العادات السلبية التي تملأ المجتمعات اليوم.
كما أهملت الأم دورها في التوجيه والتربية والرقابة، فهي بصبحة الأولاد في المنزل طوال اليوم، ولكنهم في غرفهم الخاصة وراء الأبواب المقفلة، يعبثون بهواتفهم، ويتواصلون مع الغرباء دون حسيب أو رقيب.
وكنت قد أشرت في مقال سابق "إدمان مبكّر" الى ضرورة مراقبة هواتف الأطفال، ووضّحت الطريقة المناسبة لذلك، والتخلّف عن ذلك الدور قد يؤدي الى إنحراف الأطفال تدريجياً، الى أن يصلوا الى نقطة اللاعودة الى طرق الصلاح.
ثالثاً: غياب القدوة
القدوة حاضرة في أيامنا هذه، ولكنها للأسف قدوة سلبية، فبعد أن إقتدى من قبلنا بالصحابة والتابعين والفاتحين والأبطال، أو بأحد الأقرباء الصالحين أو الوالدين؛ أصبحت القدوة اليوم تتمثل في أحد الفنانين أو الفنانات، ودرجوا على تقليدهم في الملبس والشكل والتصرفات.
ويتمثل دور الأسرة والمجتمع بكشف حقيقة هؤلاء لجيل الشباب، وكشف الجوانب السلبية الكثيرة في حياتهم، وألا يغرهم أضواء المسرح والمعجبين والمعجبات الذين يتهافتون عليهم، وفشلهم الذريع في تربية أولادهم، أو في تكوين أسرة أو في إكتساب محبة الناس من حولهم، فعلى الرغم من النجاح الزائف والسعادة الكاذبة والغنى المؤقت، هنالك الكثير من الفشل والبؤس في حياتهم، قد تدفع بعضهم الى الإدمان والإكتئاب والإنتحار، وعلينا كشف ذلك لأبنائنا، وتحذيرهم من السير على خطاهم.
وعلى الجانب الآخر؛ لا بد من تذكير الأبناء بالعديد من الصحابة والتابعين والأبطال والناجحين، وتدارس سيرهم، وضرورة الإلتفات الى تفاصيل حياتهم وكيفية نجاحهم، وإتخاذ بعضهم قدوة صالحة.
ونناقش بقية الأسباب في الجزء الثالث من هذا الموضوع إن شاء الله.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-07-2022 05:55 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |