17-07-2022 11:31 AM
بقلم : الدكتور هيثم الربابعة
لعل الغربة يتذوقها المغتربون عن أوطانهم، لكننا تذوقناها في وطننا، وربما هذه الغربة تتجاوز تلك التي يُفترض أن نعيشها لو هاجرنا، ولذلك تجد الكثير من الشباب في مجتمعنا لا يحلمون سوى بالهجرة وتذوق الاغتراب بكل ما يحمله من ألم وأمل، ذلك أنهم سئموا من العيش في وطن أصبحت فيه الحقوق بمثابة أحلام والأحلامُ مجردَ أوهام، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
"حب الوطن من الإيمان".. اعتدنا على سماع هذه المقولة، إنها تؤكد أن الحكومة تحاول جاهدة ترسيخ حب الوطن في قلوب الناس بأي طريقة ممكنة، ولهذه الغاية استخدمت كل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الدين، نظراً إلى أن نقطة ضعف شعوبنا، مع الأسف هي الدين، إذ يكفي أن تستخدم الدين مع أي شخص لتستحوذ عليه، لأن هؤلاء البشر يثقون في الدين ثقة عمياء تمنعهم من التشكيك فيه. وقد تمكنت الحكومات من توجيه الناس إنطلاقا من نقطة ضعفهم، وجعلهم يغرقون في حبها دون مقابل.
من الواضح أن الحكومة عرفت الطريق إلى عقول الناس، فاستغلت كل المُمكنات، من مدارس ومساجد، من أجل أن تُرسّخ فيهم أن حب الوطن من الإيمان، نظراً لضعف إيمانهم. وهذا ما يجعلنا نرى هذا الكم الهائل من المهووسين بحب الدولة لا الوطن رغم أنهم يعيشون في فقر مُدقع وفي ظروف مزرية ، ومن هنا يتضح أن المشكل مرتبط بالعقليات، فعندما ترى أشخاصا يحبون وطنا لا يوفر لهم أبسط شروط العيش فمن الأكيد أن هناك خللا في هؤلاء الأشخاص، لأنهم لم يستطيعوا بعد الخروج من ذلك الجهل الذي تدفعهم إليه الحكومات في كل مرة وفي كل مكان.
هؤلاء الأشخاص الذين يُبدون رغبتهم في التضحية من أجل وطنهم، يفعلون ذلك لسببين؛ إنهم يحاولون الحصول على مُباركة الوطن بشيء رمزي، والسبب الثاني مُرتبط بذلك الخوف من "المخزن"، الذي يعشش فيهم منذ أزمنة غابرة، وأصبحت حقوق الإنسان في نظرهم مجرد كفر ورياء . إنهم لم يفهموا بعد ذلك التناقض الكامِن فيهم، إنه تناقض يصعب فهمه واحتواؤه؛ وينطبق الشيء نفسه على مسألة الدين، فتجدهم مُستعدين للدفاع عن دينهم، لكن في الوقت ذاته لا يُطبقون تعاليمه كما ينبغي، إذ يمارسون الدين بغير ما جاء فيه، ويمارسون النفاق على أنه أخلاق، ويستخدمون أنفسهم وكرامتهم ودينهم وأخلاقهم من أجل مصالحهم ومطامعهم. فظلوا لجهلهم جاهلين، ولحكوماتهم خاضعين، ولنفاقهم مرافقين.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-07-2022 11:31 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |