23-07-2022 10:04 AM
بقلم : الدكتور هيثم الربابعة
ثمة في الأردن الراهن مشكل مزمن، مشكل يحتل الصدارة ضمن مجموعة المشاكل الأخرى التي لم تعرف بعد طريقها نحو المعالجة الجدية والحل الصحيح ..إنه مشكل التعليم، مشكل يعترف بخطورته وتفاقم أبعاده، منذ إعلان الاستقلال إلى اليوم ، الأردنيون جميعا : آباء وأمهات وأبناء ،أساتذة وطلابا وتلاميذ، حاكمين ومحكومين، مسؤولين وغير مسؤولين، مختصين في التربية والتعليم أو غير مختصين..
قيل الكثير وكتب الكثير عن هذا المشكل، وعقدت حوله ندوات رسمية وغير رسمية، فاقترحت حلول كثيرة متتالية أو متزامنة، وفي كل مرة كان اللاحق منها السابق أو يعدله، أو يكمله.. ومع ذلك لم يزدد المشكل إلا تعقيدا، ولم تزدد أبعاده إلا امتداد وتشعبا: الطلاب والتلاميذ يضربون، ويرفعون الاحتجاجات ويقدمون المطالب.. والمسؤولون يغضون الطرف أولا ثم يتحركون ويقمعون ثانيا ، ثم يتفهمون أخيرا، فيلبون بعض المطالب، المطالب التي من الممكن تلبيتها في الحين، أما المشاكل الأخرى، أما المشاكل التي تتطلب دراسة ووقتا، فيقال عنها: إن الحكومة عاكفة على إيجاد الحلول لها .. وهكذا يبقى المشكل من غير حل ، ينتظر سنة أخرى لا ريب فيها ، لينفجر الوضع من جديد ، ولتقدم المطالب من جديد ، ثم ليعلن عن الحلول الجزئية ويبقى المشكل قائما كما كان أو أكثر ... وهكذا دواليك .
ما هو هذا المشكل إذن ؟ ما حقيقته وما جوهره؟ ما هي الكوامن الخفية التي تحركه من ذاته، ومن وراء الستار ليتمظهر تارة في الاحتجاج على قرار اتخذ ، يضيف جديدا أو يحذف قديما ، وتارة أخرى في المطالبة بالغاء جديد وإبقاء قديم أو العكس .. ما هي الأبعاد العميقة لهذا المشكل المزمن الذي يطغى على حياتنا الإجتماعية والسياسية فيحركها ويدفع بها نحو هذه الوجهة أو تلك .
لقد اتخذ مشكل التعليم في الأردن ، ومنذ إلإعلان عن الإستقلال طابعا سياسيا واضحا ، ليس فقط لأنه يمس الشعب كله أو لأنه يقدم أحسن مطية تطرح من على متنها قضايا سياسية وإجتماعية وإقتصادية وثقافية ، بل أيضا لأنه يعكس بالفعل اختيارات تخص هذه الميادين نفسها ، ويتضمن في جوفه ومن خلال تطوره أبعادا سياسية واجتماعية وأثرت وتؤثر وستؤثر-لا على الثقافة والتعليم فقط بل على جموع المشاكل الأخرى على اختلاف أنواعها وتفاوتها في الأهمية والخطورة.
إن استمرار هذا المشكل وتفاقمه وإستفحاله قد جعل التعليم في الأردن بعد ( ٧٦) عاما من الأستقلال ، يفشل في مهمته ، ليس فقط لأنه لم يستطع خلال هذه المدة الطويلة أن يزود البلاد بما تحتاجه من أطر في الميادين الإجتماعية والإقتصادية والثقافية ، أو على الأقل بما يخفف بشكل جدي من هذه الحاجيات بل لأنه كذلك لم يستطع أن يقدم لنفسه ما يحتاجه هو من علماء ومدرسين وأساتذة .. إن التعليم في الأردن وبعد (٧٦) سنة من الاستقلال ، لم يستطع أن يكفي ذاته بذاته ولا يسد بنفسه حاجاته ومتطلبات نموه .
ثمة إذن مشكل مزمن في الأردن هو بلا نزاع مشكل التعليم . والمشاكل أيا كان نوعها ليست بنت ساعتها ، بل هي نتيجة عملية تطور ونمو : نمو الأجزاء في إطار نمو الكل ، ونمو الكل من خلال نمو الأجزاء .. معنى ذلك أن المشاكل ، أيا كانت لها تاريخ ومن ثمة يغدو الفهم الصحيح لها إنما يبدأ بفهم تاريخ مولدها ونشأتها، وتتبع مراحل نموها وتطورها.
والحق إن المعطيات الأساسية لهذا المشكل يصعب فهمها، إن اقتصرنا على النظر إليه من خلال الصور التي يكشف فيها عن نفسه من وقت لأخر ، فلا اضرابات الطلبة ولا رد فعل المسؤولين ولا النتائج الهزيلة التي تسفر عنها الإمتحانات ولا المستوى العام الآخذ في الانخفاض ، لا شيء من ذلك يشكل المعطيات الأساسية ، الجوهرية للمشكل .إنها مظاهر مهمة ولا شك ، ولكنها لا تعبر عن المشكل تعبيرا كاملا لا تعكس إلا جوانب منه ، جوانب جزئية سطحية في غالب الأحوال .
إن المعطيات الأساسية ، الجوهرية ، التي يعاني منها تعليمنا الآن بل بلادنا وشعبنا ، إنما نقرؤها بوضوح من خلال تعرية جدية لجذوره ، وكشف واضح عن الإطار الذي نشأ فيه وبقي يتحرك في حدوده . ولسنا ندعي هنا أنه سيكون بإمكاننا القيام بهذه المهمة الكاملة ، وإنما نطمح فقط من خلال هذه المحاولة التخطيطية الأولية ، إلى رسم معالم الطريق التي تمكننا من وضع المشكل وضعا صحيحا في إطاره الصحيح وإذا ما وفقنا في هذا فإننا سنجد أنفسنا لا أمام حلول ممكنة بل أمام حل وحيد . أما باقي الحلول فهي لاتعدو أن تكون مآزق ممكنة ، بل محقة .
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-07-2022 10:04 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |