حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1570

العصامي والعظامي

العصامي والعظامي

العصامي والعظامي

23-07-2022 10:20 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : م. أنس معابرة
يحكى أن أحد الشرفاء في بلاد خرسان كان أقرب الناس نسباً الى الرسول صلى الله عليه وسلم، غير أنه كان فاسقاً ظاهر الفسق، وفي نفس المدينة كان هنالك مولّى أسود تقدم في العلم، فأكبَّ الناس على إحترامه وتقديره.

إتفق يوماً أن خرج الثاني من المسجد في موكب مهيب، يحفه الناس من حوله، ويتسابقون للسلام عليه، وفي نفس الوقت مر الأول وهو يترنَّح من أثر السكر، فبدأ الناس بذمه وشتمه ودفعه من أمام الموكب، فغضب كثيراً، وتعلق بثوب الشيخ العالم الجليل وهو يقول: "يا أسود الحوافر، يا كافر أبن كافر، أنا أبن الرسول الكريم أُذل وأنت تُجل؟ أنا أُهان وأنت تُعان؟"

هم الناس بضربه، إلا أن العالم الوقور قال له: "بيضتُ باطني، وسودتَ باطنك، فكان بياض قلبي فوق سواد وجهي، فحسُنتُ بين الناس، وغلب سواد قلبكَ بياضُ وجهك فقبُحتَ بين الناس، وأخذتُ سيرة أبيك، وأخذتَ سيرة أبي، فظنني الناس أبن أبيك، وظنوك أبن أبي، فعملوا معك ما يُعمل مع أبي، وعملوا معي ما يُعمل مع أبيك".

العالم الجليل هو مثال واضح للشخص العصامي، الذي يعمل على الإعتماد على نفسه، ويبني مستقبله بتعبه وكده، ويبدأ من الصفر الى أن يصل الى المكانة المرموقة.

والعصامية بالمناسبة مأخوذة من أسم "عصام أبن شهير"، حاجب الملك "النعمان بن المنذر"، وكان رجلاً ذكياً مجتهداً، يعلّم نفسه بنفسه، حتّى أصبح الملك يعتمد عليه ويستشيره، وصار من أهمّ رجال القصر، حتى قال فيه النابغة الذبياني:
نفسُ عصامٍ سوَّدت عصاما
وعلمته الكر ... والإقداما
فصيرته ملكاً هُماما

أما الشخص الأول الذي ينتسب الى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فهو المثال الواضح للشخص العظامي، وهو الإنسان الذي يعتمد على سيرة آباءه وأجداده في تحسين صورته، ويحاول إقناع الآخرين بأن شرف نسبه وتاريخ أسرته يكفي لإرتفاع قدره في المجتمع، وهو في غنى عن التعب في طلب الرزق والعلم والسعي إليهما، بل يجب على الناس توقيره وتقديره لسيرة آباءه العطرة فقط.

وكان سبب تسميته بالعظامي، لكونه يفتخر بآبائه وأجداده الذين ماتوا منذ أزمان طويلة، ولم يبق منهم إلا العظام، التي ما زال يفتخر بها، فنُسب إليها.

إنه لمن دواعي السرور أن تفتخر بشهادة نلتها، أو علم طلبته، أو حكمة وصلت إليها، أو إنجاز كبير حققته، وفي هذه الحالة تكن أنت عزاً لمن حولك، ومدعاة لتفاخرهم بك، والتشرف بالإنتساب إليك.

أما أن تكون عالة على المجتمع، لا تجد ما تفتخر به سوى تاريخ آباءك وأجدادك، فأعلم أن تاريخهم شرف لهم وحدهم، صنعوه بتعبهم، وبذلوا في سبيله الغالي والنفيس، وأنت بتقصيرك وعظاميتك ستكون مدعاة لخزي الناس من حولك.








طباعة
  • المشاهدات: 1570
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
23-07-2022 10:20 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم