27-07-2022 04:34 PM
بقلم :
من الظواهر الغريبة التي تصاحب امتحان الدراسة الثانويّة العامّة هذه الأيام ما يسيطر على مشاعر أولياء الأمور عقب أداء كلّ امتحان وزاريّ. حقًّا، غريبةٌ تلكَ الثقافةُ التي تسودُ أوساطَ مجتمعِنا، تلكَ الّتي تطربُ وتشكرُ وتبدي عميقَ رضاها عن الامتحانِ الوزاريِّ في حالِ مجيئِه سهلًا جدًّا أو متمركِزًا في المِنطَقةِ الدنيا منَ المنحنى الطبيعيِّ... ولكنّهها في الوقتِ ذاتِهِ تثورُ وتزمجرُ وتبدي امتعاضَها إنْ جاء غيرَ ذلكَ.
عجبًا، ثمّ عجبًا؛ فالأصلُ أنْ يكونَ الأمرُ خلافَ هذا وذاك؛ فليست السهولة المتساهلة هي السمة التي ننشدها في امتحاناتنا: المدرسيّة منها والوزاريّة، وإذا كان هذا يُفرح أولياء أمور الطلبة لنجاح أبنائهم وتجاوزهم مرحلة تعليميّة حرجة؛ ليعبروا بعدها طريقًا آخر نحو المستقبل، فإنّه في الوقت ذاته يُبهج صانعي القرار التعليميّ؛ لأنّ ذلك يحجب رؤية ما قد يمكن رؤيته من ثقوب أو اهتراءات أو فجوات في الأداء المؤسسيّ التعليميّ؛ فما يهمّ الأهالي النتيجة لا ما اكتسبوا من معارف أو امتلكوا من مهارات وقيم واتّجاهات. ما يعني أنّه ليس من مصلحة وزارة التربية والتعليم بناء اختبارات ذات قدرات عليا خارقة أو بمستوى صعوبة عالٍ إلى حدّ التحدّي أو التعجيز على وصف بعض الطلبة وأولياء أمورهم؛ حتى لا يخفق الطلبة فيعكس ضعفًا في العمليّات والإجراءات.
ولكننّنا إذا نظرنا إلى المسألة من جانب آخر خفيّ سنجد أنّ مجيء الورقة الامتحانيّة على قدر عالٍ من الصعوبة يخدم وزارة التربية والتعليم من جانب آخر، يتمثّل في اقتران جودة التقييم بجودة التعليم، فمثلما أنهاّ قدَّمتْ تعليمًا جادًّا مبدعًا ومنافسًا وقويًّا، فليس من الغرابة أنْ تأتي امتحاناتها قويّة رصينة تخاطب مستوى عاليًا من القدرات العليا وإعمال العقل. ولا سيّما أنّ كثيرًا من الدول تنظر إلى رقيّ أيّ نظام تعليميّ من باب جودة منظومة التقييم لديه، انطلاقًا من المبدأ التربويّ: كيف يكن التعليم يكن التقييم، وتطبيقًا لمنهج: كيف تكونوا يُولَّ عليكم.
ينبغي أنْ يدرك المجتمع أنّ سهولة الامتحان لا يعني الإيجابيّة المطلقة، فقد تعني أنّ ثمّة خللًا في المنظومة التعليميّة، الأمر الذي يجدر أنْ يشكّل مصدر قلق لدى أطياف المجتمع كافّة؛ لأنّ ذلك يعني التغطية على فقرٍ ما في أداء مؤسساتنا التعليميّة، من هنا كان حريًّا بالجميع التخلّي عن المطالبة بتسهيل الامتحان إلى حدّ هدر شخصيّته، بل لا بدّ من نشدان العقلانيّة في الارتقاءِ بمستوياتِ أسئلة الامتحانِ والنهوض بإجراءاته، ليأتيَ محترمًا عقولَ أبنائنا الطلبةِ، ومعبِّرًا عن جودة مدخلاتنا التعليميّة؛ فالامتحانُ أداةٌ من أدوات التقييم والتقويم تنبئُ بصدق وموضوعيّةٍ وثبات عن مستوى مخرجاتِ مسيرةِ المنظومةِ التعليميّة التعلُّميّة قاطبةً، وتعكسُ جدوى إجراءاتها النّاظمة، وهذا ما يجعل الوزارة تمسك العصا من النصف، وتختار الوسطية والتوازن في بناء الورقة الامتحانيّة، فلا هي بالسهلة المفرطة ولا الصعبة المُربِكة، وهذا ما نسمعه دوريًّا في التصريحات الإعلاميّة على لسان ذوي القرار من أنّ الامتحان يراعي الفروق الفرديّة، ويلبّي مستويات الطلبة جميعهم. وهذا بالفعل ما يميّز امتحانات الثانويّة العامّة التي سَمَتْ وزارة التربية والتعليم بإدارة ملفّها بحكمة تستوعب نزق الطلبة وَسوْرة أطياف المجتمع.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-07-2022 04:34 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |