01-08-2022 12:38 PM
بقلم : محمد يونس العبادي
"النخبة".. عنوان يغري كثيرين، ومطمح العديدين، خاصةً في مجتمعاتنا العربية، التي يكثر فيها، من يريد أنّ يلتحق بهذه الطبقة، سواء باستحقاق أم دون، ولكنها طبقة فكرية يبقى فيها الحقيقيون، القادرون ليس على التأثير على الناس والمجتمعات وحسب، بل القادرون على التعبير عنهم، وإيصالهم إلى أمانيهم الاجتماعية والسياسية، والخدمية، وغيرها.
وقد بحث كثير من مفكرين العرب، بأدوار النخبة العربية، ودورها في العديد من اللحظات الحاسمة، في تاريخنا، وحتى اليوم، ذلك أنها تبقى التعبير عن عقل جمعيٍ رياديٍ قادرٍ على قراءة ما يريده العقل الجمعي الشعبي، بل وأحياناً تهدئة خاطر هذا العقل، الذي عادةً ما يتوثب دون إدراكٍ للعواقب، ويغلب عليه العاطفة دون السياسة، والوثبة دون هدأةٍ تحد منه، وهنا تأتي أهمية النخبة في أن تكون قادرةً على احتواء العقل الشعبي، وتأخذه إلى حيث يريد دون عواقب كبيرةٍ أو سلبيةٍ تضر بالمجتمعات.
عربياً، وفي عصر الفضاء الرقمي، ومقدرة الجميع، وامتلاكهم لأدوات البث، بات الضجيج أحياناً، يعلو، ويحاول أنّ يعبر عما يجول في خاطره، وبدأت النخبة (وأحياناً نسميها قادة الرأي) تتراجع، وإذا ما تكلمت كثيراً ما تفوه بما لا يجول في خاطر الناس، أو يبتعد عنهم، وعن احتياجاتهم ومطالبهم.
وليأخذ القارئ، مثالاً على ذلك، النخبة المثقفة، فهي في كثيرٍ من الأحيان، تعيش وحدها، ولا تعبر عن الناس في شعرها ولا في أدبها، وكثيراً مما تكتبه أو نتاجها، يوزع على الأصدقاء، على سبيل الإهداء، والجيدون منهم، جمهورهم، ليس بحجم مجتمعٍ فيه عشرات الجامعات، وآلاف المدارس، وملايين المتعلمين، والقراء، وهذا أمر يدعو للتساؤل، وينسحب على العديد من المجالات، إذ لماذا غابت النخب، أو حلّت محلها أصواتٌ مجتمعية، تنادي بعقل جمعي عاطفي، ولماذا غابت النخب الحقيقية، سياسياً واجتماعياً وثقافياً وفكرياً، وهل نحن أمام حالةٍ من الفراغ الحقيقي، وهل بات هناك عجز عن تصعيد نخبٍ جديدةٍ أم إنّ من تصدوا لهذا المشهد، وطرحوا أنفسهم على الناس كنخبٍ هم أبعد ما يكونون عنهم وعن همومهم، ما أدى إلى حالة انفصامٍ، خلخلت حلقات البنى المجتمعية، وشوهت شكل العمران البشري عربياً.
ومناسبة حديث النخبة اليوم، هو غياب كثيرين منهم "عند الملمات" وحضورهم "عند المغنم"، فكأننا أصبحنا أمام أنصاف نخبٍ لا تدرك دورها، أو لا تريد أنّ تلعبه، أو أنها تخشى الجمهور، فتركت الباب مشرعاً للجميع، وباتت كل قضية رأيٍ عامٍ، وحتى لوكانت على بساطتها، متاحة للجميع "كي يسومها كل مارق".
ولا ضير في أنّ يتحدث الجميع، فالمجتمعات الحيّة هي القادرة على تحفيز أغلبياتها في تناول الشأن العام وقضاياه، ولكن، دوماً صوت العقل يجب أنّ يبقى أعلى ويجب أنّ "يعقلن" أيّ دعواتٍ "مشبوهة" لها مراميها، ولها مصالح في أنّ تبقى المجتمعات "مستفزة" و "موتورة" وأنّ تبقى الناس في الشوارع والطرقات متجهمة، لا تكاد ترى إلّا عالماً من السواد، فتصبح المجتمعات أسيرة لحالة انطباعاتٍ عامةٍ، في جانبٍ منها غير حقيقي.
إننا اليوم، أحوج ما نكون إلى نخبة حقيقية، تولد من رحم الناس، وتصعد إلى أعلى من أسفل الهرم، فيبدو بأنّ الكثيرين لا يتجاوز حضورهم ظلال مرحلةٍ مضت، أو هي زائفة..!.
وختاماً، علّ "نخبنا" أحوج ما تكون اليوم، إلى أنّ تنشغل بالناس، وأنّ تتجاوز قولاً لشاعرنا الأردني عرار، يقول فيه ناقداً إنّ "الألمعية بإزدراء الألمعية"، أحوج ما نكون لننشغل بأدوارنا، على غيرها من الأدوار... .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-08-2022 12:38 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |