17-08-2022 12:24 PM
بقلم : بسام يحيى الكساسبة
المتقاعدون المدنيون هم موظفون سبق لهم أن أفنوا أوج أعمارهم في خدمة الدولة ، مما يستدعي تحقيق العدالة بينهم على صعيد رواتبهم التقاعدية ، حينما يتبين وجود تمييز واضح بين رواتب من تقاعدوا قبل عام 2012 ومن تقاعدوا بعده ، هذا التمييز الذي فرضته أولا هيكلة وزيادة رواتب العاملين والمتقاعدين في الأجهزة المدنية التي أجرتها الحكومة عام 2012 ، حينما جعلت رواتب من تقاعدوا بعد عام 2012 تزيد على ضعف رواتب من تقاعدوا قبل هذا العام ، وثانيا امتناع الحكومة على مدار العشر سنوات ونيف الأخيرة عن رفع علاوة غلاء المعيشة لمن تقاعدوا قبل عام 2012 ، بما يخالف أحكام الفقرة (أ) من المادة 54 من قانون التقاعد المدني رقم (34) لسنة 1959 وتعديلاته ، التي تضمنت صرف زيادة سنوية على علاوة غلاء المعيشة للمتقاعدين المدنيين ، والتي نصها الحرفي : (تحدد علاوات غلاء المعيشة المقررة للمتقاعدين بموجب تعليمات يصدرها مجلس الوزراء استنادا لأحكام هذا القانون ، على أن تحدد فيها مقاديرها ونسبة الزيادات السنوية عليها ، وأسس صرفها ، وأصحاب الاستحقاق ، وأي صاحب حق فيها) ، ومع أنها زيادة سنوية إلا أن الحكومة لم تقدمها للمتقاعدين المدنيين ولو مرة واحدة طيلة العقد والنصف الماضي .
وبلغة الأرقام ، وبحسب بيانات وزارة المالية فإن عدد من تقاعدوا حتى نهاية عام 2011 بلغ 277 ألف متقاعد ، وبلغت مجمل رواتبهم التقاعدية في عام 2011 ما قيمته 862 مليون دينار ، أي بمعدل راتب تقاعدي 259 دينار شهريا ، أما خلال الفترة من عام 2012 إلى عام 2021 فقد ازداد عدد المتقاعدين 108 ألف متقاعد جديد على حساب الهيكلة ، وقد بلغ إجمالي رواتبهم التقاعدية في عام 2021 ما قيمته 748 مليون دينار ، وبمعدل راتب تقاعدي 577 دينار شهريا ، أي أكثر من ضعف الراتب التقاعدي لمن تقاعدوا قبل عام 2012 ، مما يثبت أن اهتمام الحكومة اقتصر على تحسين رواتب من تقاعدوا بعد عام 2012 في حين تم استثناء من تقاعدوا قبل عام 2012 كليا من هذه الهيكلة والزيادة ، وعدم صرف الزيادة السنوية لهم على علاوة غلاء المعيشة بموجب قانون التقاعد المدني .
جاء امتناع الحكومة عن زيادة رواتب المتقاعدين المدنيين قبل عام 2012 بحجة صعوبة الأوضاع المالية للحكومة وعدم توفر مخصصات تسمح بزيادة رواتبهم التقاعدية ، وكأن زيادة رواتب المتقاعدين قبل عام 2012 هي من ستزيد النفقات الجارية للحكومة وستزيد عجز موازنتها ، مع أن الواقع يدحض هذه الحجج ، فقد أدخلت الحكومة زيادات سنوية على نفقاتها الجارية خلال الفترة من عام 2012 إلى عام 2021 بمجموع تراكمي بلغ 23.5 مليار دينار ، كما بلغ المجموع التراكمي لنفقاتها الجارية خلال نفس الفترة 87 مليار دينار ، وارتفع الدين العام الداخلي والخارجي خلال نفس الفترة من 14.5 مليار دينار إلى 35 مليار دينار ، وتضاعفت رواتب الجهاز المدني حسب بيانات موازنة الحكومة المركزية من 861 مليون دينار في عام 2012 إلى 1.7 مليار دينار بنهاية عام 2021 ، وفي الوقت الذي وجدت فيه الحكومة هذه الوفرة الضخمة من الأموال لإنفاقها على مختلف أوجه الإنفاق الأساسية وغير الأساسية في موازناتها السنوية ، كانت الحكومة تمتنع وبإصرار عن تقديم الزيادات المالية السنوية على علاوة غلاء المعيشة للمتقاعدين المدنيين قبل عام 2012 المقرة بموجب قانون التقاعد المدني .
أما التفسير الاقتصادي لامتناع الحكومة عن زيادة علاوة غلاء المعيشة حسبما تضمنته الفقرة (أ) من قانون التقاعد المدني رقم 34 لسنة 1959 وتعديلاته هو أن الحكومة أساءت استخدام سلطتها على مدار العشر سنوات ونيف الأخيرة ، فصادرت الحقوق المالية التقاعدية لمن تقاعدوا قبل عام 2012 ، وأنفقتها والتكرم بها لحساب ولمصلحة أطراف وجهات أخرى .
ولا تقتصر مسؤولية عدم صرف الحقوق التقاعدية لمن تقاعدوا قبل عام 2012 على الحكومة كسلطة تنفيذية فحسب ، بل تمتد هذه المسؤولية لتشمل مجلس الأمة (بشقيه النواب والأعيان) ، أولا بصفته التشريعية ، الذي أقر قوانين موازنة الحكومة المركزية ، وموازنات الوحدات الحكومية المستقلة على مدار السنوات العشر والنيف الأخيرة ، بما تضمنته هذه الموازنات من اختلالات مالية حادة ، منها حينما لم يتم تضمينها المخصصات المالية القانونية اللازمة لزيادة علاوة غلاء المعيشة لمن تقاعدوا قبل عام 2012 استنادا على نص الفقرة (أ) من قانون التقاعد المدني رقم 34 لسنة 1959 وتعديلاته ، وثانيا إخلال المجلس بدوره الرقابي ، عندما لم يلزم الحكومة بتطبيق مضمون هذه الفقرة من هذا القانون .
إن زيادة رواتب المتقاعدين المدنيين قبل عام 2012 يجب أن لا يُنظر إليها كمنحة أو هبة أو تكرما من الحكومة ، بل أولا كحق قانوني تطبيقا للفقرة (أ) من المادة 54 من قانون التقاعد المدني رقم (34) لسنة 1959 وتعديلاته ، وثانيا كحق دستوري امتثالا لأحكام الدستور الأردني ، الذي كفلت أحكامه تحقيق العدالة والمساواة بين الناس ، وثالثا استجابة للتوجيهات الملكية الواردة في كل من خطابات العرش السامية أمام مجلس الأمة ، وكتب التكليف الملكية لرؤساء الوزراء بتشكيل الحكومات ، التي جميعها تضمنت تكليف الحكومة بتحسين معيشة المواطنين ، إذا ما علمنا أن المتقاعدين قبل عام 2012 هم جزء أساسي من المواطنين ، حيث امتنعت الحكومة عن تحسين مستوى معيشتهم ، بامتناعها عن منحهم حقوقهم التقاعدية العادلة ، وبناء على ذلك يفترض أن تلتزم الحكومة بأحكام الدستور وقانون التقاعد المدني ، فتبادر لزيادة رواتب المتقاعدين المدنيين الذين تقاعدوا قبل عام 2012 ومساواة رواتبهم التقاعدية برواتب من تقاعدوا بعد ذاك العام .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-08-2022 12:24 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |