14-09-2022 01:44 AM
سرايا - تباينت آراء مختصين ومعلمين وذوي طلبة، بشأن إجبار طلاب بعض المدارس الحكومية في عمليات النظافة داخل مدارسهم، فبينما رفض بعضهم ذلك، رأى آخرون أن من شأن هذا السلوك أن ينمي روح الانتماء للمكان، وتعزيز موجبات التعاون، وتكريس فضيلة العطاء في نفوس الطلبة، لاسيما في ظل النقص الحاد في أعداد أذنة المدارس.
ورغم أن تعليمات وأنظمة وزارة التربية والتعليم تمنع إشراك الطلاب والطالبات في تنظيف مدارسهم، إلا أن واقع الحال في بعض المدارس الحكومية مغاير تماما.
وفي ظل عجز المخصصات المالية التي تحول دون تعيين الأذنة من الذكور والإناث لتغطية النقص في بعض المدارس، لجأت إداراتها الى إشراك طلابها وطالباتها في عمليات النظافة بشكل مبرمج، من خلال إعداد جدول يومي واسبوعي للنظافة يشمل عمليات الشطف والكنس وتنظيف الأدراج والجدران.
وفيما رفضت التربية والتعليم على لسان ناطقها الرسمي أحمد المساعفة سلوكيات إدارات تلك المدارس كون هذه الأعمال من مهام الأذنة، ذهب خبراء في المجال التربوي والإرشاد النفسي الى أهمية "تشجيع قيم الولاء والمساعدة بين الطلبة عن طريق إطلاق مبادرات تطوعية للنظافة وتنشيط مسابقات الصف المثالي”.
وبحسب معلمات في مقابلات منفصلة من محافظات المملكة والعاصمة عمان، فضلن عدم ذكر أسمائهن، فإن هذا "الإجراء الروتيني متبع منذ سنوات في أغلب المدارس الحكومية، ويتم تجديد الجدول بداية كل سنة دراسية في ظل رفض الوزارة حل المشكلة بتعيين آذنات جديدات”.
وفي العادة، يعلق الجدول على باب الصف المدرسي، ويرتفع العدد طرديا مع عدد الطالبات في الصف، وغالبا ما يزيد العدد في الصفوف على 40 طالبا أو طالبة، بحسب المعلمات.
وتتقسم المهام التي تضعها مربية الصف او مسؤولة النشاطات لتوزيع المهام على الطالبات المناوبات، بحيث تخصص لكل طالبة مساحة ما لتنظيفها، بينما يتم تخصيص طالبة لجمع النفايات والتخلص منها في الحاويات داخل أسوار المدرسة.
وأما توقيت التنظيف، فأغلب الطالبات ينظفن صفوفهن بعد "الفرصة” او قبل أو بعد الانتهاء من الدوام الرسمي، وتمنع مغادرتهن المدرسة إلى حين استكمال عمليات النظافة "الإجبارية”، وهو الوضع الذي أثار استياء لدى بعض أهالي الطالبات.
وتختلف تجربة كل مدرسة عن أخرى، حيث تؤكد مربية مدرسة حكومية شاملة للبنات في اربد أنه يتم إعداد جدول يومي للطالبات للتنظيف داخل الغرف الصفية والساحة الخارجية من باب مساعدة الآذنة الوحيدة في المدرسة، تزامنا مع تثقيف الطالبات بأهمية النظافة عبر الإذاعة المدرسية.
من جهتها تؤكد معلمة التربية المهنية في إحدى المدارس في جبل النزهة بعمان أن جدول التنظيف اليومي يشمل فقط كنس الصفوف من الغبار، وأما "الشطف” فتمنعه مديرة المدرسة حرصا على سلامة الطالبات، وتفاديا لتعرض أجسامهن لرضوض أو كسور.
بدورها تمنع بعض ادارات مدارس طالباتها من عملية "الشطف”، وتكتفي بـ”التكنيس”، حيث إن إدارات المدارس في مناطق اخرى تشترط توفير تقرير طبي لإعفاء بناتهن من هذه المهمة، وهذا ما تؤكده والدة الطالبة سهام التي تدرس في إحدى المدارس الحكومية في محافظة البلقاء.
واضطرت والدة سهام إلى إحضار تقرير طبي من المركز الصحي الحكومي بناء على طلب من ادارة المدرسة حتى يسمح باستثنائها من جدول النظافة.
لافتة إلى أن "اغلب الطالبات في هذه الصفوف الاساسية ليست لديهن القدرة الجسدية على مزاولة أعمال النظافة أو التعامل مع مواد التنظيف”، ومؤكدة أن ابنتها وزميلتها ترفضان الذهاب إلى المدرسة في يوم مناوبتهما.
ويلاحظ أن دور الآذنات في المدارس تحول من أعمال النظافة، إلى مهمة الإشراف على الطالبات، خلافا لتعليمات وصف وتصنيف الوظائف للمدارس الحكومية رقم (5) لسنة 2007، التي حددت وظيفة الآذن ومسؤولياته بـ”أن يقوم بأعمال النظافة داخل الغرف الصفية والممرات والمرافق ودورات المياه والساحات (…) ويتناوب في حراسة باب المدرسة، ولا يسمح للطلبة بالخروج من المدرسة إلا بإذن خطي من الإدارة”.
وتعدت تجربة طالبات مدرسة حكومية للبنات في شرق عمان، عملية التنظيف حيث باتت بعض مربيات الصفوف يشجعن الطالبات على توفير مواد تنظيف من منازلهن كالكلور والديتول، وجعل ذلك جزءا من النشاط الذي يكافأن عليه بعلامتين إلى ثلاث علامات، بحسب ما أكدته والدة الطالبة علا من الصف التاسع الإلزامي.
وإلى جانب رفض والدة علا إجبار ابنتها على التنظيف ومناوبتها الصباحية قبل الدوام الرسمي، فإنها ترفض أسلوب بعض المعلمات اللواتي يربطن بين العلامات واحضار مواد تنظيف من منازلهن، خصوصا وأن بعض الأسر ذات قدرات مالية محدودة.
أما الطالبة سهى التي تدرس التخصص المهني في الصف الأول الثانوي، فتقول: "تعودنا على التنظيف سواء رغبنا أو لم نرغب، وبصراحة نحن لا نحب الشطف لأنه عمل مرهق”، لافتة الى ان بعض المعلمات يجبرن الطالبات ذوات التحصيل الأكاديمي المنخفض على التنظيف، بحسب تعبيرها.
وأما والد الطالبة سارة من الصف العاشر في إحدى المدارس الحكومية في محافظة إربد فيقول: "لن أسمح لابنتي أن تكنس صفها، وطلبت استثناءها من جدول المناوبات، فأنا ارسل ابنتي حتى تتعلم وتدرس”.
لكن الأب لا يرفض فكرة مشاركة ابنته الوحيدة في الأعمال التطوعية التي تتعلق بالنظافة المدرسية وغرس قيم المساعدة فيها، لافتا الى أن ابنته "لديها تحسس من الغبار”، وهذا ما تم تنبيه إدارة المدرسة اليه لاحقا.
بدوره، يؤكد الناطق الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم الدكتور احمد مساعفة أن "حل النقص في مسألتي الأذنة والحراس في المدارس ستحل قريبا”.
وقال المساعفة إن إجبار الطلبة على التنظيف "غير مقبول تماما ويخالف تعليمات وأنظمة الوزارة”، مشددا على أهمية تثقيف الطلبة بالمحافظة على البيئة المدرسية من خلال الإذاعة المدرسية، وضمن النشاطات اللامنهجية والعلمية والإثرائية.
يشار إلى جميع المدارس الحكومية التي يقارب عددها 4 آلاف مدرسة، يوجد فيها أذنة تتراوح أعدادهم من 1-3 لكل مدرسة، حسب عدد الطلاب وحجم المدرسة.
ومن خلال استطلاع آراء عدد من الطلبة، يتبين أن عمليات التنظيف تخضع إلى نوع من أنواع التمييز الجندري، بين مدارس الذكور والإناث، فبينما تجبر بعض ادارات الإناث على "الشطف والتكنيس”، يقتصر عمل الذكور على تنظيف الساحات المدرسية بعد انتهاء الاستراحة بين الحصص، والتقاط النفايات من تحت الادراج والتخلص منها في حاوية المدرسة الرئيسية بعد إغلاقها بإحكام.
ودأب مهند من الصف السادس الأساسي (11 عاما)، وشقيقه قيس في الثامن الأساسي، على تنظيف الساحة المدرسية برفقة زملائهم يوميا بعد الاستراحة تحت أشعة الشمس الحارقة، ومن يتكاسل يتلق توبيخا لاذعا من المعلمين في مدرسته، وهذا الأسلوب التربوي كان مرفوضا من قبل والدهما وليد عرب.
وفيما أشار الطالب عبدالله من الصف التاسع الى أن عدد سلال المهملات في ساحة المدرسة والممرات قليلة، أكد طالب الثانوية العامة سائد أن مدرسته رغم كونها حكومية الا ان المدير لا يسمح لهم بالتنظيف، معتبرا أن تلك المهمة من اختصاص الآذن الذي يحضر صباحا وينظف الصفوف قبل الطابور الصباحي.
وأشار مدير مدرسة حكومية للذكور، فضل عدم ذكر اسمه، إلى تجربته الخاصة في قيادة عملية التنظيف حتى يكون قدوة للطلبة، حيث يشاركهم يوميا في جمع القاذورات.
بدوره، يصف المستشار التربوي فيصل تايه امتناع الطلاب الذكور عن أعمال التنظيف بأنه نوع من "الاتكالية”، غير أنه يؤكد في المقابل، أنه ومن واقع تجاربه السابقة في إدارة مدارس حكومية، وجد أن الشباب "لا يترددون أبدا في المشاركة في النشاطات اللامنهجية والاعمال التطوعية داخل المدرسة وخارجها بعد أن يتم توجيه طاقاتهم نحو الأعمال الإيجابية التي تنصب على خدمة مجتمعهم ومدرستهم بشكل خاص”.
ويرى تايه أن "مشاركة الطالب في عمليات التنظيف يعزز من شعوره بالمسؤولية وقيم الولاء لمجتمعه، على اعتبار ان المدرسة هي بيته الثاني الذي ينهل منه التربية والعلم والمعرفة، مستدركا: "شريطة أن لا يرهق الطالب او يتم اجباره على العمل”.
وقدم عدة حلول لمشكلة النظافة المدرسية التي وصفها بـ”القديمة الجديدة”، ومنها تحفيز الطلبة على المشاركه بأعمال التنظيف في ظل شح المستخدمين في المدارس، وإطلاق مبادرات تطوعية تهدف الى تمكين المعلمين من غرس المفاهيم الصحية والأنماط السلوكية السليمة في أذهان الطلبة.
ومن اقتراحاته أيضا أن يتم التعاقد مع شركة خاصة تتولى مسؤولية اعمال النظافة في المدارس الحكومية، من دون الاستغناء عن الأذنة التابعين للوزارة، حتى يصل هؤلاء الى مرحلة التقاعد.
ومن إيجابيات هذه الخطوة، بحسب تايه، محاسبة شركة التنظيف الخاصة مباشرة من إدارات المدارس ومديري التعليم في حال التقصير، إلى جانب أن المدارس الخاصة، غير أن هذا الاقتراح تم تجميده من وزارة التربية والتعليم بعد أن "اصطدم بجدار الكلف العالية”، وفقه.
بدوره، يرفض اختصاصي الارشاد النفسي والاجتماعي موسى مطارنة عدم إجبار الطلبة على أعمال النظافة في مدارسهم، بحجة التأثير على سلوكياتهم وصحتهم النفسية، مؤكدا أن عدم المشاركة تبعد الطالب عن القيم الإيجابية التي ينبغي تنميتها في مفاهيم العملية التربوية، ومنها قيم التعاون والانتماء لدى الطالب تجاه المدرسة، وتنمية قيمة احترام النظام، وترسيخ مفهوم الالتزام بالقوانين.
ويتفق مطارنة مع تايه من حيث أهمية اطلاق مبادرات ومسابقات بين الطلبة، مثل (الصف المثالي) الذي يسعى لترسيخ النظافة كقيمة اجتماعية في نفوس الطلبة، وتدريبهم على الاعمال التطوعية، بالاضافة الى تنمية الشخصية المتكاملة للطالب، بإكسابها مهارات واتجاهات ايجابية.
يذكر أن الدليل العلمي للصحة والنظافة داخل المدرسة، الصادر عن وزارة التربية والتعليم قبل سنوات مضت، والذي ترأس اللجنة العلمية لإعداده الأمين العام السابق للشؤون التعليمية الدكتور محمد جمعة العكور، يضع هدفا عاما يتمثل بـ”الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية المقدمة للطلبة داخل المدرسة”، بينما تنصرف الاهداف الخاصة نحو تزويد معلمي الصحة المدرسية بالمعلومات والمهارات المتعلقة بالنظافة والصحة.
وحدد الدليل الجهات المسؤولة عن النظافة داخل المدرسة وهم: مدير المدرسة ومعلم الصحة المدرسية والأذنة ومسؤول الصحة المدرسية في مديرية التربية والتعليم.
ومن منطلق أن الغرفة الصفية هي المساحة التي يتلقى الطالب فيها معظم دروسه ويتأثر بالبيئة المحيطة بها سلباً أو إيجاباً، لذا يجب أن تكون تلك الغرفة "نظيفة وآمنة وذات تهوية جيدة”.
وللارتقاء بالتحصيل الاكاديمي، بحسب الدليل، لا بد من "تنظيف الأرضيات يومياً لإزلة الغبار الذي قد يؤثر سلباً على الطلبة، والجدران، وتنظيف الزجاج لكي يسمح بدخول الإنارة الطبيعية بشكل جيد، وعدم رمي أي نفايات من قبل الطلبة على الأرض، على أن تتم متابعة ذلك من قبل المعلم الموجود داخل الغرفة الصفية، وتوعيتهم بهذا الأمر”.
ومن الأنشطة الإثرائية التي اقترحها الدليل، أن "ينظم الطلبة بالتعاون مع إدارة المدرسة والمعلمين يوماً لحملة نظافة في المدرسة، ويطلقون على ذلك اليوم (يوم النظافة المدرسية)”.