15-09-2022 08:34 AM
سرايا - عن دار الخليج للنشر والتوزيع بعمَّان، صدر حديثا ديوان جديد للشاعر سعيد يعقوب، حاملا عنوان «سِحْرُ الكَلَامِ»، وجاء الديوان في مئة وأربع عشرة صفحة من القطع المتوسط، يتضمن أربعين مقطوعة وقصيدة، يدور معظمها في فلك الوجدان وتعبر عن خوالج وعواطف الشاعر، تجاه المرأة.
ولم تخل مقطوعات الديوان من الاشتباك مع مفردات الواقع، وهواجس الشاعر في التعامل معها، وتسجيل انفعالاته، تجاه الأحداث الذاتية التي مر بها الشاعر أو مرت به، على المستوى الشخصي الخاص، أو تلك الأحداث العامة، التي تعاني منها الأمة، عالجها الشاعر بطريقة غير مباشرة، وبلغة مقتصدة، تعتمد على الإيحاء والإيماء، وأغلب المقطوعات في هذا الديوان، يمكن أن نطلق عليها ما يعرف بالمُتَخَيَّر المَنْخُول، فالشاعر يبدي حرصا شديدا في استصفاء أجمل ما لديه، من مقطوعات وقصائد، لتشكل ديوانا في النهاية، يسهل أن يقال عنه بأنه :سحر الكلام، وهو إحالة غير مباشرة، لما ورد في الحديث الشريف: «إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا».
ديوان سحر الكلام ليعقوب، جاء ممهورا بمقدمة، للشاعر الناقد الأستاذ الدكتور راشد عيسى، أستاذ الأدب والنقد في جامعة البلقاء التطبيقية، ومما جاء فيها: «سعيد يعقوب صوتٌ شعريٌّ هادرٌ مُلتمعٌ، على منابرِ الشِّعْرِ في الأردنِّ، وحاضرٌ بكثافةٍ في الأردنِّ، وحاضرٌ بكثافةٍ في مواقعٍ الاتِّصالِ الاجتماعيِّ، وفي مُخْتلَفِ المناسباتِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، وهو شاعرٌ مِنْبريٌّ بامْتيازٍ، يُلْقي شعرَهُ بحماسةٍ انفعاليَّةٍ دافقةٍ، تنتصرُ لِقيمةِ «الإنشادِ» في الشِّعْرِ العربيِّ.
شاعرٌ عارفٌ عليمٌ بأوزانِ الشِّعْرِ، يُهندِسُ قصيدتَهُ بدرايةٍ حميدةٍ، في البناءِ المُوسيقيِّ، وهو غيورٌ فذٌّ على اللغةِ العربيَّةِ، نحوًا وإملاءً وصرْفًا، أصدرَ ما يزيدُ على سبعةٍ عشرينَ مجموعةً شعريَّةً، تضمَّنتْ طائفةً كبيرةً مِن المَوضوعاتِ، والرُّؤى.
في هذهِ المجْموعةِ يتخلَّى سعيد في أغلبِ القصائدِ، عن صَخَبِ القافيةِ، وطُولِ القصيدةِ، ونمطيَّةِ الأفكارِ الشِّعْريَّةِ السَّابقةِ، لِيكْتُبَ قصائدَ قَصيرةً ناعِمةً - وَفْقَ شِعْرِ الشَّطْرينِ أيْضا - لكنَّها تَمْتازُ بالرَّشاقةِ، والخِفَّةِ وأناقَةِ التَّرْكيبِ، في التَّقْسيمِ ولَطافَةِ المَعاني
في هذهِ القصائدِ سُيولةٌ لُغَويَّةٌ، سَهْلةُ الحِفْظِ، وصياغاتٌ مُتداوَلةٌ على الألْسنَةِ، بعيدةٌ عن التَّعْقيدِ، أو التَّرميزِ الغامضِ، على نحْوِ قصيدةِ (مَنْ أَنْتَ؟).
وفي هذهِ المجْموعةِ مقْطوعةٌ تقْطُرُ حِكْمةً، في تصويرِ لَذَّةِ الألَمِ، وهي مقْطوعةُ (أوْهام)، حيْثُ تنْطبِقُ الرُّؤْيا، على مَقولةِ (جلال الدِّينِ الرُّوميِّ) :
«الكَوْنُ مَعْمورٌ بالوَهْمِ»
ولا يخْلو شِعْرُ سعيد مِن صُوَرٍ شِعْرِيَّةٍ ناجِحَةٍ، مُؤَثِّرةٍ، كقولِهِ:
في وجْنَتَيْكِ أرَى ظِلَالَ كَآبَةٍ
ورَمَادَ أُغْنِيَةٍ وضَجَّةَ مَأْتَمِ
وبِمُقْلَتَيْكِ سَمِعْتُ صَمْتَ صَوَاعِقٍ
وَلَمَحْتُ بَيْنَهُمَا انْطِفَاءَةَ أَنْجُمِ
فنحْنُ أمامَ صُوَرٍ حركِيَّةٍ، لوْنيَّةٍ سمعِيَّةٍ، بصَرِيَّةٍ صوْتيَّةٍ، تُؤَدِّيْ غرَضَ الخَيالِ الانفِعالِيِّ، بمَهَارَةٍ فنيَّةٍ مُمْتِعَةٍ.
في شِعْرِ سعيد عِفَّةٌ تعبيرِيَّةٌ رُوحانِيَّةٌ، حِيِيَّةٌ تُمجِّدُ الَّلوْعَةَ، وتَنْأى عن الشَّهْوَانِيَّةِ العابرِةِ.
إِنَّ هذا الدِّيوانَ أُضْمومَةٌ شِعْريَّةٌ، رُومانسِيَّةٌ تَتَناغَمُ وَوِجْدانَ الشَّاعِرِ، فالمقْطوعاتُ تمْتَحُ رُؤَاها مِن نَهْرِ الالْتِياعِ، والوَجْدِ النَّبِيلِ، المُرَقَّطِ بالشَّجَنِ السَّعيدِ، والإيقاعِ الأَسْيانِ، في حَالَةِ التَّشَوُّقِ ومَثِيلُهُ الطَّرُوبِ، في مّوْقِفِ الحِوارِ والتَّسَاؤُلِ....»
ومن الجدير بالذكر أن الشاعر سعيد يعقوب مواليد مدينة مادبا، عام 67 تخرج في الجامعة الأردنية، من كلية الآداب، قسم اللغة العربية، عمل في حقل التدريس، في الأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، أصدر ما يزيد عن سبعة وعشرين ديوانا شعريا، منها نسمات أردنية، وعبير الشهداء ومقدسيات، وضجيج السكون وله مسرحيتان شعريتان، هما ورد وديك الجن، وميشع ملك مؤاب المنقذ، ونشر عشرات القصائد من شعر الأطفال في المجلات المتخصصة، وحصل على العديد من الجوائز العربية والمحلية، منها جائزة الشاعر اللبناني الراحل سعيد فياض، وجائزة روكس بن زائد العزيزي، وجائزة تيسير السبول وغيرها، دخلت قصائده في المناهج الدراسية، في الأردن وفلسطين، ونشرت عن شعره دراسات علمية رصينة، وأبحاث محكمة في مجلات عالمية، وكتبت عن شعره رسائل ماجستير ودكتوراه، وتناول شعره بالدراسة والتحليل، عدد كبير من النقاد والأكاديميين، ووضعت عن الشاعر وشعره، مجموعة من المؤلفات منها كتاب قسمات عربية في الميزان، للدكتور مصطفى خضر الخطيب وكتاب البناء الفني في شعر سعيد يعقوب، للباحثة آية البنا، وكتاب سعيد يعقوب شاعرا وإنسانا، للباحث والناقد فوزي الخطبا.