18-09-2022 11:06 AM
بقلم : حسن محمد الزبن
الانزلاق إلى أول عتبات الطريق نحو المخدرات، هو بالتأكيد كمن يقع في شباك يصعب التحرر والانعتاق منها، إلا إذا حالفه الحظ العاثر، ووجد من يحرره من مصيدته التي هي حتما قاتلة في النهاية، بسبب الإدمان الذي يقتضي علاجا جسديا ونفسيا على أيدي مختصين، للتخلص من السموم التي استوطنت في كل خلايا جسمه، ابتداء من جسده وانتهاء بعقله، بل قتلت وشوهت كل ما فيه من نقاء، وكل ما فيه من مشاعر إنسانية سليمة، ولوثت عقله، وأربكت مداركه، وقلبت مزاجه الطبيعي، إلى أمزجة متناقضة، ما بين ساعة وأخرى، فهو ليس الإنسان الطبيعي الذي يمكن أن تأمن التعامل معه، أو تجالسه، أو تحاوره، لأنه نزق، يمكن أن ينقلب عليك في لحظة، ويصبح وحش، يؤذيك، وقد يقتلك، رغم أن حوارك معه كله لا يخرج عن العقلانية، ولا يخرج عن الأدب والاحترام.
لكن اليوم هناك شباب يأخذهم الفضول للبحث عن شيء جديد، وطريقة جديدة غير التعاطي مع المخدرات المعروفة، بأنواعها، لشعوره بالفراغ، والضغوط التي تلاحقه بسبب البطالة، أو ظروف معيشية استثنائية، تلتصق بحياته، لا تشعره بالراحة، أو التوافق مع المجتمع، فيجد في مخدرات الموسيقى الرقمية أمر سهل، حسب اعتقاده، وأنها أفضل من الحصول على المخدرات التقليدية، بل يكتنفه شعور أن هذه الموسيقى لا يمكن أن تسبب له الإدمان، وأن كل ما يريده أن يغادر القلق، ويشعر بالاسترخاء، والراحة، إنه يتجه نحو المخدرات الرقمية أو ماتسمى بـ Drogues Numériques، لسهولة الحصول عليها عن طريق مقاطع موسيقية بصيغة "MP3"، أو عبر مقاطع الفيديو عبر الإنترنت.
لكن إذا تمكنت منه واستحوذت عليه، فإنه في النهاية سيبحث عن أصناف أخرى من الموسيقى لم يجربها، من خلال صانعي هذه الصرعة الرقمية العصرية، حسب مواصفات خاصة ومعينة، وتصنع تحت مسمى "ملفات موسيقية رقمية"، تعبر عن أصوات ونغمات قادرة على إحداث تغييرات دماغية، وقادرة على تغييب الوعي وتشكيله حسب قوتها، ومدة سماعها، وهي بهذا ترضي غرور الشخص المتعاطي، وتجعله يعيش في عالم مختلف عن الواقع، وكأن مفعولها يماثل طريقة التعاطي للمخدرات، كالأفيون، والماريجوانا، والحشيش، والجوكر، وهي طريقة نحو الإدمان بطريقة مبتكرة، وتستهوي الشباب، حتى أن البعض أطلق عليها "موسيقى رقمية"، تقدم على جرعات موسيقى صاخبة، تولد حالة من النشوى، وتتسلل إلى الدماغ على شكل ذبذبات كهرومغناطيسية لفرز مواد منشطة للمزاج لدى الشخص الذي يتعاطاها، من خلال سماعات أو مكبرات الصوت، فيقوم الدماغ بدمج الإشارتين، لينتج عنهما الإحساس بصوت ثالث يدعى Binaural Beat، وهنا مكمن الخطر من هذه الموسيقى، بخلق أوهام لدى المستمع، لينتقل بعدها المتعاطي لها من الوعي إلى اللاوعي، فيحدث التغيير في مزاجه العام، ويفقد حالته الطبيعية، ويختل توازنه النفسي والجسدي معا، حتى أن دقات قلبه تزيد وترتفع، بل إن هذه الموجات الكهرومغناطيسية تعطي متعاطي هذه الموسيقى نوعا من السعادة إلى حد الانتشاء، وحالات من التهيؤ والتخيل، لكن ما أن تنتهي وصلته الموسيقية يفقد المتعاطي توازنه النفسي، قد يصل إلى اضطراب عصبي، يسبب الانهيار حسب درجات هذا الاضطراب الذي يسكن داخله، لأنه أصبح معلقا بين الوهم فعلا، ما بين إشارات ونغمات صوتية مختلفة، وأصبح في أجواء خادعة، تقول له إن هناك صوتا أو نغمة ثالثة معنا، ونتيجة لذلك تجد أمامك شخصا مختلفا تماما عن الذي كنت تعرفه، وعلميا لهذه الحالة وحسب رأي أخصائيين، إنه يتم التأثير على الموجات الدماغية من خلال الاعتماد على الفرق في الترددات الخاصة بكل أذن؛ فضبط إحدى السماعات على تردد 290 هيرتز، والثانية على 310 هيرتز، ذلك يعطي إحساس معين، هنا سيحاول دماغ هذا المتعاطي أن يستقبل الاختلاف بين النغمتين 20 هيرتز، وتناغم موجات الدماغ بناء على هذا الفارق، مما يعطي المتعاطي شعورا مفعما بالنشاط والطاقة، وهو نفس الشعور الذي تؤكده الدراسات بأنه مرتبط بموجات موجات بطيئة كموجات "ألفا" المرتبطة بحالة الاسترخاء وسريعة كموجات "بيتا" المرتبطة بحالات اليقظة والتركيز.
والمخدرات الرقمية، تُحَمَّل نغماتها عن طريق تطبيق الأيدوزيرI- Doser، الذي يحدد لكل نغمة خلطة صوتية، أشبه ما تكون مثل خلطات الأفيون، والماريجوانا، والحشيش، والجوكر، مصنوعة لصاحب الكيف، ولها مسميات منها ما هو خاص ب "المزاج والمرح والسعادة"، و "الجو المريح"، و "أمانينا – الجرعات الزائدة"، و "أيادي القدير – أبواب الجحيم"، و"الدموي"، و "الملاك النائم"، ليصل مستهلكوها والمتعاطون على أنواعها لحالات من التحليق في عالم خيالي، واسترخاء وانبساط ونشوة، وأنه فوق الغيم يسبح، تحت سيطرة كل الأوهام وعالم الأساطير المتخيلة لديه.
هذه المخدرات الرقمية أشد فتكا بمتعاطيها من متعاطي المخدرات التقليدية التي نعرفها، وتفتك بالجسد والنفس والعقل، ونعرف آثارها علميا وطبيا، ولا يختلف عليها أحد، في حين أن هذه المخدرات الرقمية" موسيقى الهلوسة الرقمية"، تؤثر على مستوى كهرباء المخ، ويصبح بلحظة شرود ذهني، وانفصال عن الواقع، ويصل متعاطيها لحالات من التشنج، وما زال هناك حيرة منها، ومدى تأثيرها على السلوك الإنساني، وفاعليتها في التطابق مع المخدرات التقليدية، فهي الآن يتم ترويجها عبر مواقع متخصصة، وتقوم ببيعها مواقع الإنترنت، ولا توجد لغاية الآن قوانين تضبطها، ولا حتى رقابة معينة عليها، أو ما يمنع تداولها، ويتم ترويجها عبر مواقع مختلفة في الفضاء الإلكتروني، إلى جانب إمكانية الحصول عليها عبر مواقع اليوتيوب بشكل مجاني.
كانت البدايات لنشأت هذه المخدرات الرقمية، على أثر اعتماد تقنية قديمة تسمى "النقر بالأذنين" اكتشفها العالم الألماني "هينريش دوف" عام 1839م، وتم التعامل معها لأول مرة عام 1970م، كطريقة جديدة في علاج بعض حالات الأمراض النفسية لمصابين بالاكتئاب الخفيف، أو حالات مرضية كانت ترفض العلاج السلوكي "العلاج بالأدوية"، ولهذا تم العلاج عن طريق تذبذبات كهرومغناطيسية لفرز مواد منشطة للمزاج، ونظرا لظروف النقص في المادة المنشطة للمزاج لدى بعض المرضى النفسيين، أو خللا فيها، مما استدعى أنهم يحتاجون إلى استحداث الخلايا العصبية وإفرازها تحت إشراف طبي، باشتراط أن يكون على مدار مرتين يوميا، بحيث لا تتعدى الجلسة عدة ثوان أو جزء من الثانية وتوقف العلاج بهذه الطريقة آنذاك نظراً لتكلفتها العالية.
وبينت دراسة نشرتها الواشنطن بوست في عام 2010م، خاصة بالمعهد القومي الأمريكي لمكافحة المخدرات، تؤكد عدم وجود أية بيانات علمية بشأن ظاهرة binaural beats، وتكشف جامعة جنوب فلوريدا من خلال دراسة قامت بها، للتعرف إن كانت هذه الظاهرة تؤدي لزيادة التركيز فيما يعرف بقصور الانتباه وفرط الحركة ADHD، وتوصلت لنتيجة أن الظاهرة لا تؤدي إلى تغييرات كيميائية في الدماغ، إلا أن مكتب أوكلاهوما للمخدرات والعقاقير الخطرة يرى أن القلق الأكبر عندما يجربها الطفل وينتهي به الأمر لتدخين الماريجوانا مثلاً.
ما يعنينا أن المتعاطين للملفات، أو المقاطع الصوتية، أو ما يسميها البعض "الموسيقى الرقمية"، أنه يجب عدم الاستسلام لهذه المقاطع لخطورة تركيب هذه المقاطع، التي تؤثر على المزاج العام، ولغة الجسد أيضا، وهي تصنف على أنها مخدر رقمي له تأثير على الجهاز العصبي، ووظائف المخ، ويجب أن تنتبه الدول لهذا، وتفعل قوانين حماية منها، والعمل على حجب للمواقع التي تروج لبيع المخدرات الرقمية، وإدراجها ضمن الجرائم الإلكترونية التي يعاقب عليها القانون، ويتصدى لمحاربتها، وعلى البيت والأسرة مسؤولية كبرى بتوعية أبنائهم حماية لطفولتهم، وحماية للشباب منهم، ويجب تتبع خلواتهم في غرفهم، ومتابعة المواقع الإلكترونية، والنوافذ التي يتعاملون معها، وعلى مؤسسات المجتمع المدني، والإعلام الرسمي والخاص، وقنواته المختلفة، فضائيات، أو تلفزيون، أو إذاعة، أو صحافة، التكثيف من الندوات والمحاضرات بهذا الخصوص حماية وصونا للمجتمع ككل، من الجريمة في البيت والشارع والمدرسة والجامعة ومكان العمل.
حمى الله الطفولة، حمى الله الشباب،
حمى الله الوطن،
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-09-2022 11:06 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |