19-09-2022 09:05 AM
سرايا - إن المتأمل في غلاف هذه المجموعة النثرية يلاحظ اللون بشكل واضح ومكشوف فهو يتناغم بين اللون الأزرق وتموجاته ودرجاته مما يحيل إلى اهتمام الكاتبة باللون بشكل صريح ويتمظهر ذاك فيما بعد بشكل يكاد يكون مقصودا من خلال توظيف العنوان «نرجس أزرق» الذي يقلب أفق التوقع لدى المتلقي؛ إذ من المعروف أن النرجس في لونه الأساس أصفر وبدرجات لكن أن يأتي أزرق وعن قصدية فأنه يكشف لنا أن للون هنا أهمية خاصة وبالغة حين يرتبط بالنرجس ويخلع عنه لونه الأصلي ليحل محله فيصبح أزرق ومعروفة لدى الجميع دلالات اللون الأزرق وجمالياته.
أما الإهداء فقد جاء ببدايته مرسوما بعمومية واضحة دون الإشارة بعبارة إهداء وجاءت اللفظة المهمة من خلال كلمة علمني التي تداعت تحتها كثير من الدلالات علمني كيف أمسك القلم/ وأكتب اسمي بحروف من نور/ روحه التي ترافقني كلما سطرت حرفا، أو/ رسمت فكرة تهدهد على كتفي، وتومئ لي/ بالرضا والطمأنينة ليتوج كل هذا بعبارة إلى روح والدي الدمشقي وجيه سعيد رحمون عليه السلام أقدم وراقي إربد الحبيبة.
تمثلات اللون في هذه المجموعة:
اللَّون لغةً:
عرَّف ابن منظور في لسان العرب اللَّون بــ « لـون: اللَّـوْنُ: هيئـةٌ كالسَّوَاد والـحُمْرة، و لَوَّنْتُه فَتَلَوَّنَ. ولَوْنُ كلِّ شيء: ما فَصَلَ بـينه وبـين غيره، والــجمع أَلْوَان. والأَلْوانُ: الضُّروبُ. واللَّوْنُ: النَّوع. وفلان مُتَلَوِّنٌ أيْ لا يَثْبُتُ علـى خُــلُقٍ واحـد. واللَّوْنُ: الدَّقَلُ، وهو ضَرْب من النـخـل، واحدتها لِـينَة، وقـيل: هي الأَلْوانُ، الواحـدة لونَـة فقــيل لِــينَةٌ، بالـياء، والـجمع لِـينٌ ولُونٌ وشُبِّه الأَلْوانُ بالتَّلْوينِ، وفي اللُّغة تبرز «اللَّام والواو والنون: كلمة واحدة وهـي: لـون الشـيء كـالحمرة.يبدأ هذا اللَّفظ باللَّام التي تدلُّ على دخول شيء في شيء آخر، الذي يشير إلى تركيب معيَّن.[1]
اللَّون اصطلاحاً:
ورد في الموسوعات الحديثة، تعريف خاصٌّ للَّون يحمل تفصيلاً في ضوء تطوُّر العلم على اعتبار أنَّ للَّون خاصِّيَّةً ضوئيَّةً تعتمد على طول الموجة، ويتوقَّف اللَّون الظَّاهريُّ لجسم ما على طول موجـة الضّـوءالذي يعكسه في الحقيقة، وأنَّ للَّون أثر بالغ في التَّصوير الفنِّيِّ المعتمِدِ على البصر تحديدا وباقي الحواسِّ، الذي يساهم في تقريب الصُّورة من الخيال إلى الواقع، فاللَّون هو ذلك التَّأثير الفسيولوجي النَّاتج عن الأثر الذي يحدث في شبكيَّة العين عند استقبال الضّوء.
لقد بدا الثَّراء اللَّونيُّ في هذه المجموعة النثرية واضحاً جدّاً، وقد عمدت الكاتبة لتوظيف اللَّون والتَّعبير عنه لينقل لنا تجربتها الخاصَّة معه؛ وليوضِّح مدى قربه من نفسسها وليعبِّر عن تواجده واندماجه معها، وقد اتَّسم ذاك التَّوظيف بالكثرة والانتقاء المُتعمَّد وغير المُعتمَّد أحيانا، فتكثَّف حضوره في النَّصِّ وقد جاء في مقدِّمة تلك الألوان توظيفاً وانتشاراً «اللون الأحمر» ورديفه اللَّذَيْنِ جاءا طاغِيَيِ الحضور في نصوص هذه المجموعة.
يُعَدُّ اللَّون بكلِّ تجلِّياته وأطيافه من الجماليَّات الخاصة في الحضور والتَّشكيل في الحياة، وفي العمل الإبداعي بشكل خاص ولقد شكَّل اللَّون في هذه المجموعة النثرية ملمحاً بارزاً ومهمَّاً من ملامحها، وبرزت أهمِّيَّته في تشكيلات دلاليَّة خاصة مرتبطة بشكل مباشر من خلال توظيف لفظة اللَّون الصَّريحة المباشرة مرَّة، ورديف اللَّون مرة أخرى الذي يعرف بأنه تابع للون والمتبوع له، وقد برزت في المجموعة كلُّ الألوان وتحديداً ألوان الطَّيف الأساسيَّة (الأخضر، والأحمر، والأبيض، والأصفر، والأزرق) التي تشكِّل المعجم اللَّونيَّ، وقد تجلَّى ظهور تلك الألوان كاملة أكثر من (20) مرَّة، وظهر رديف اللون بشكل كبير ومكثَّف جدَّاً كذلك، وبالمقابل غابت ألوان أخرى عن الظُّهور سواءً بظهورها الصَّريح أو كرديف لون.تقول الكاتبة في صفحة 97 وتحت عنوان «أماني» : لملمت كل الربطات من على شجرة التين الكبيرة ربطات حمراء وخضراء وسوداء لم تفلت مني عقدة واحدة... نجد الكاتبة هنا تحتفي بأغلب الألوان وأجملها كضمه واحدة محتفية بجمالية اللون.
لقد كان من أكثر الألوان حضوراً في هذه المجموعة «اللَّون الأحمر» وتفوق في حضوره في بعض الأحيان على اللون الأزرق الذي يُعَدُّ هو الآخر من أوضح الألوان بهذه المجموعة؛ لارتباطـه بالـدَّم والحياة، وله علاقة قويَّة بالجمال والقرابين والحروب، وقد تكرَّس حضوره في الطَّبيعة من خلال ارتباطه بأزهارها وورودها وبتربتها وأرضها، تقول الكاتبة في ص 106 وتحت عنوان « طربوش جدي «: وذاك الطربوش الأحمر الذي يعتمره دائما كان يضيف له طولا ووقارا وهيبة ثم تقول في مكان آخر من النص ذاته محتفية باللون الأحمر: ويعود الطربوش، لتنتهي العملية ويعود الطربوش جديدا أحمر كفاكهة صيفية شهية، مع أنه قطعة من الجوخ الأحمر الفخم صنعت لتضيف الهيبة على هندام الرجال... ولقد لاحظت تكرار توظيف اللون الأحمر بهذه المجموعة أكثر من (10) مرات وجاء في أغلب الأحيان ومعظمها مقترنا بقلم الحمرة والورود وكأن هناك تأكيد متعمد من الكاتبة على خصوصية المرأة الأنثى وعلاقتها باللون الأحمر في هذه النصوص .
ثمَّ حضر «اللَّون الأسود» هو ورديفه الذي يُعَدُّ هو الآخر مظهراً مهمًّا من مظاهر الحياة الحزينة والمتأملة ومرتبطا بالغموض وبالأسرار وقد تجلَّى حضوره بشكل كبير باللَّيل وعتمته، وقد ذكرته الكاتبة في النص المعنون ب «تساؤل» تقول: فستان الساتان القاتم القصير، الذي كشف عن قدمي المرتبكتين، وقبعتي السوداء التي تراخى منها تول أسود وجهي تلألأ بياضا من تحته وكفاي أمَّا «اللون الأبيض» فقد حضر هو الآخر من خلال النصوص صريحا مباشرا معبرا عن النقاء والوضوح والجمال وأكثر من مرة تقول الكاتبة في النص المعنون ب « ولادة «: مع دغدغة الهواء الناعم بنكهة طقوس القهوة وأن لا يكون الفنجان أبيضا باهتا كلقاء عادي بلا شغف ولا سميك لا يأبه بحرارة الشوق اللاهبة! وتقول في مكان آخر من ذات النص: وجدتك تطفو على سطح ذاكراتها تومئ لها من بعيد أن طيري كما تشائين يا يمامتي البيضاء، فأنا المحارة وأنت اللؤلؤة الحبيسة داخلي، لن تفلتي من جديد ولقد برز رديف اللون الأبيض بشكل واضح في المجموعة، من خلال الحديث عن زهرة الياسمين والتي تقول فيها الكاتبة: كانت تجلس ةتغني في ظلال الياسمين تصنع عقودا تضم أزرارا، تفوح منها روائح وحنين، لمن يا ترى كانت جدتي تصنع عقود الياسمين ؟ وأين اختفى؟ ومن يا ترى سرق الياسمين؟
وجاء «للَّون الأصـفر» في هذه المجموعة صريحا تارة حين قالت في النص المعنون ب « مواسم « وأن الزهرة الصفراء لم تشتعل غيرة، حين رأت النحلة تغازل فراشة بصباح ندي رطب.. هنا نجد أن الكاتبة أرادت أن تؤكد ارتباط اللون الأصفر بالغيرة عند المرأة أما رديف اللون الأصفر فقد جا ء أكثر اقترانه من خلال الشَّمس التي تُعَدُّ مَظهراً مهمّاً جدّاً من مظاهر الحياة، وكذلك اقترن مجيئه بتوظيف الذهب والسنابل تقول الكاتبة في النص المعنون ب « أرملة «: الصباح الباكر المنعش بدأ التسلل لسريرها، الشمس الخجولة خطفت قبلة صباحية خاطفة من وجنتيها عند فتحها للنافذة...!
وظهر «اللَّون الأخضر»الذي يُصنَّف بأنَّه لون مستقرٌّ ثابت؛ لارتباطـه بالزِّراعة والزَّرع والنَّبت والنَّبـاتات التي تحمل هذا اللَّون وفصل الربيع وأخضره واخضراره الذي يعبر عنه بكل وضوح لاقترانه باللون الأخضر تقول الكاتبة في النص المعنون ب» تساؤل «: ترى لماذا حاولت عصافير القفص الأخضر التسلل من خلف القبضان عندما اهتز المكان؟ وقد ظهر رديفه كذلك من خلال ألفاظ من مثل الربيع، الزهر، النبات، الحدائق وغيرها
وأخيرا «اللَّون الأزرق»الذي يُشهَدُ له بالأهمية في هذه المجموعة، وتبرز أهمِّيَّتة بالدَّرجة الأولى من خلال عنوان المجموعة « نرجس أزرق « وقد تم توظيف للون الصريح الأزرق في المجموعة (6) مرَّات تقريبا
ولابد من الإشارة هنا إلى أن اللَّون الأزرق يعد من أكثر الألوان التي لها حضورها المتميِّز في الأعمال الإبداعية لما له من دلالات وإيحاءات متميِّزة جدًّا، كيف لا وهو لون السَّماء والبحر، يُعَدُّ هذا اللون من ألوان المجموعة الباردة، وهو لون الهدوء والصَّفاء، و جاءت الدَّلالة النَّفسيَّة للَّون الأزرق في اللُّغة للتَّعبير عن الصَّفاء والنَّقاء.
وتقول في النص المعنون ب»خاصرة النهار»: تلك المرة الأولى التي تذهب فيها للبحر وتعشقه..!لم تعلم انه ابتلعها بزرقته وغرقت به دون أن تبتل نوارسه تحدثها عن أساطير قديمة، وقصص لا تحضر على بال أحد. ولقد وردت لفظة أزرق أكثر من (10) مرات ولفظة السماء (8) مرات أما لفظة البحر فقد وردت الأخرى (10) مرات مما يؤكد قوة حضور هذا اللون صريحا أو برديفه.
ومن خلال رديف اللون الأزرق االمقترن بالسَّماء والبحر، تقول الكاتبة من خلال هذه الحوارية في النص المعنون ب «لص» عندما قلت لي: إن السماء هذا الربيع مضيئة أكثر اكتشفت أن عيني اليمنى أصبحت زرقاء واليسرى خضراء وباتتا أكثر اتساعا وجمالا... وقد لاحظت في المجموعة إذ كثيرا ما يقترن حضور اللون الأزرق الصريح ورديفه في مقطع واحد وقد تكرر هذا كثيرا من خلال البحر والموج والسماء واللون الأزرق الصريح.