20-09-2022 09:08 AM
سرايا - يرى الشاعر والروائي والناقد والإعلامي البحريني علي الستراوي بأنه يشعل النص بالأسئلة ويتركه على نار لا تهدأ، كون النص حمل غربة الأنسان وانشغالاته، لافتا إلى أن الحكاية السردية تظل هجس وليست واقع مثالي والإبداع هو الرهان.
«الدستور» حاورت المبدع الستراوي حول منجزه الإبداعي وقضايا إبداعية، والستراوي يرأس القسم الثقافي بجريدة أخبار الخليج البحرينية، صدر له ستة مجموعات شعرية ورواية واحدة، وكتب نقدية أخرى.. تاليا الحوار
* الشاعر علي الستراوي، لكل محطة أولى مع أول قصيدة.. ماذا عن وهج البدايات؟
- في البدء كانت القصيدة حكاية «خربشات» بدأت معي منذ كنتُ طفلاً في العاشرة من العمر، حيث هذه الحكاية كانت ضمن محفوظات علقت بذاكرتي الصغيرة وأنا في المرحلة الابتدائية من الدراسة.
في هذه المرحلة كنت حفاظاً جديد، فالأناشيد والقصائد التي هي مقررة علينا في هذه المرحلة كنت احفظها وارددها بشغف جنوني ، ومن خلالها أحببتُ اللغة العربية، لكنني لم اكتب القصيدة في هذا العمر باللغة الفصحى بل كتبتها «خربشات» باللهجة العامية، حيث كنتُ شغوفاً بقراءة الشعر العامي، وكنت على صلة ممتازة مع هذا الشعر، وعبر تجربة طويلة لازال هذا الشعر العامي مع ملازماً، اكتبه فلدي خمسة مخطوطات في هذا الشعر، جمعتها ولم أخرجها في كتب، لأني بعد هذه المرحلة الطفولية منذ عمر العاشرة وهي بداياتي الأولى مع الشعر، فكنتُ اكتب هذه القصيدة لكونها قريبة من قلبي ولكنما هي إلا تجارب أولى قادتني إلى قصيدة إلى كتابة القصيدة الفصحى.
فالتجربة الأولى شغلتني منذ الطفولة بعمر صغير، كانت هي العتبات التي قادتني لما أنا عليه الآن.
حيث بدأت الكتابة منذ العام 1973 بهذا العمر الصغير وحتى العام 1980م اتجهت لكتابة أول نص بالفصيح، وكانت أولى تجاربي مقيدة بشعر البحر الواحد كالطويل أو البسيط أو المدارك والرمل، وبهذه البحور من الموسيقى بدأت كتابة القصيدة على نهج شعراء ما بعد الإسلام، ثم تدرجت في تقليد شعراء ما بعد الإسلام وشعراء المهجر وشعراء التفعيلة والقصيدة الحرة، حتى العام 1990 تعرفت على شعراء المرحلة الحداثية فكنتُ مجنوناً بهؤلاء من الشعراء، اقرأ لهم بنهم وبشوق قربني من الحداثة في كتابة النص، وكنت أبحث عن هويتي في لغة النص حتى اهتديت لما أنا عليه في كتابتي للنص، أشعل النص بالأسئلة وأتركه على نار لا تهدأ، كون النص حمل غربة الإنسان وانشغالاته، بفلسفة تنحو نحو بلاغة محكمة.
* أنت شاعر متنوع الكتابات، كتبت القصيدة، المقالة النقدية بكافة أجناسها الإبداعية، هذا التشكيل في الكتابة أين تجد نفسك أكثر؟
- كل ما كتبته هو إضافة لكوني شاعر، فلم أخرج عن وهج القصيدة لأنها مرتكزي الأول وانشغالي المكتظ بالأسئلة.
أما تجاربي الأخرى فهي إضافات أخذتني نحو العالم الكبير ولم تبعدني عن أجناس القصيدة وانشغالاتها، كون الشعر وليدي الأول، كبرتُ وكبر معي، وكلانا على نار واحدة.
بالقصيدة أبني عالمي وأنشغل بالآخرين دون الخروج من دائرة الأدب وفنونه الأخرى.
* المتابع لمنتجك الشعري يستوقفه جدل الروح والأشياء وفلسفة الواقع وكذلك اشتباكك مع المعطي اليومي القلق؟
- فعلا أراك قد أصبت، لأني لا أكتب النص الشعري لمعنى الكتابة إنما أكتب لأشعل قلبي بفيض الآخرين وأشعلهم معي بأسئلة لا تنفك عن الدفع بي في آتون مكتظ بالتعب وبالغربة وبسر عميق يرتبه العالم الكبير من حولنا، فيبقى الإنسان هو الرهان على المعادلة في مجاراة جهة النص، فالنص الشعري لا يعرف كنص ما لم يُخرج كاتبه من الظل الواقف إلى ظل مجادل ومثير للقلق، ولأن النص الشعري هو البناء لحكاية الشاعر، فالشاعر دون هذا الجدار لا يعرف معنى الاستناد والثبوت في بيت طور القصيدة، فالحكمة ضالة الفلسفة كما يقال.
* كشاعر ألا ترى ثمة هجرة بعض الشعراء إلى عالم السرد كالرواية والقصة.. بماذا تفسر هذه الهجرة؟
- اعتقد أن هذه الهجرة هي نتاج كركبتنا العربية، فمنذ الخليقة والحكاية معنا، فالنطفة عند خروجها والتصاقها بنطفة الأنثى تشكل وليداً، وهذا الوليد لا يعرف أن ينمو دون حكاية الأم الصدر الحنون والقلب النابض بالحب، فتحكي له وهو يكبر على حكايتها وعندما يشتد عوده يعود لحكايته الأولى، وإن انفصل عنها تظل معه تغذيه بلبن عصارتها الأولى من الحكاية.
ففي كل واحد منا كبشر يجلس هذا السرد كامناً في داخله، وعندما نحن نسجله في دفتر عالمنا الجديدة حكاية أخرى خارجة من رحم الحكاية الأولى وهي الأم.
* في الأدب والإعلام، كشاعر ما الذي أضفته للإعلام وماذا أضاف لك الأعلام كمبدع ؟
- لنبدأ أولاً بالأعلام، فالأعلام قربني من الآخرين وربطني بهم من خلال ما أكتبه عن مشاغلهم المكتظة بالكثير من الأسئلة، من خلاله عرفت الكثيرين في أقطار الدنيا، تواصلتُ معهم فأحبوني وأحببتهم، ويبقى فرن الأعلام في الصحافة اليومية قاتل للمبدع، لأنه عمل يومي لا يترك لصاحبة موضع يقف ليستريح فيه لأنه فرن مشتعل النار.
أما الأدب فهو اللغة الأخرى للمبدع، وهو بيت العروس التي تُقلم بهدوء فيه أظافرها.. فهو السكينة والعشق الذي يشعلني بالبحث والقراءة في شؤون الأدب، لأنه الغذاء الذي أشعر دونه بالموت.
* برأيك وأنت الناقد هل استطاع النقد أن يتوازى مع المنتج الإبداعي.. أم بقي يراوح مكانه؟
- للأسف أصبح النقد صعباً، لأنه اكتفى بالأكاديمية وظل يقرع أجراسه دون دعاء المحبين.
فالناقد اليوم شغلته أطروحاته ولم يلتفت إلى أن بيننا شباب وشابات مبدعات بحاجة للتوجيه وبالمعاينة النقدية الجادة بدون محاباة، اكتفى بالرموز على حساب المواهب الجديدة، بحيث أصبح الناقد اليوم لا يطرب مطرب الحي!
* يرى بعض النقاد بأن الرواية تتسيّد المشهد الإبداعي .. برأيك هل هذا الطرح يجانب الصواب؟
- لا أعتقد وأن برزت في عصرنا كتابة الرواية بشكل لافت، فلا يعني تسيّدها، وكما أشرت أن في كل نفس إنسانية حكاية وقد أشرت لها في بداية الحديث وربطها بحكاية أول السرة مع الأم.
فالحكاية السردية تظل هجس وليست واقع مثالي، فالإبداع هو الرهان لدى المبدع.
* المشهد الشعري البحريني كيف تراه قياسا مع المشهد الشعري العربي؟
- المشهد البحريني مفرح منذ تاريخ شاعرنا طرفة بن العبد مؤسس هذا البيت، فالشعر البحريني منافس ومتقدم في كتابته للنص، كونه مدرسة لها تاريخ ولها بعد حداثي متأصل في ريادته للشعر قديماً وحديثاً.
وما يشغلني حالياً أن أكثر من يكتب النص الشعري يجهل أن الحداثة لها جهات وأن اختلفنا معها، لا تعني لنا كسر مفاصل الشعر بلغة الهذيان.!