21-09-2022 12:42 PM
بقلم : الدكتور هيثم الربابعة
إن الوطن ليس حفنة تراب أو رسومات على ورق، وإنما قطعة من ذاتك وقلبك وذاكرتك لا تُجتزأ، وإن هي اجتُزئت.. ارتجت الذات، ووهن القلب، وانطمست الذاكرة، لذلك أدرك الأردني بعمق وبحق أن الوطن ليس شيئا يباع، فمن يقدِمُ على هذه الفعلة الفظيعة، إنما هو محض خائن وخوّان! وأدرك الأردني أيظا أن الوطن ليس ملكا إلا لذويه، ولا يمكن للغير أن يتملّكوه، وإن سعوا إلى ذلك بالحديد والنار فسوف يبوء مسعاهم بالفشل الذريع، ولنا في حركة الربيع العربي الدموي عبرة وأيّ عبرة!
لذلك، صدق الشاعر إبن الرومي في قصيدته العصماء عندما جادت قريحته الجياشة؛ “ولي وطنٌ آليت ألاّ أبيعه /// وألّا أرى غيري له الدّهر مالكاً”، ولعل هذا هو ديدن كل وطني حقيقي، لا ينام ولا يصبح إلا على وطن، ويحمل معه همّ الوطن وأحلامه أينما حل وارتحل، ولا يسمح لأحد، كيفما كان، أن يلمس ولو ذرة من شرف الوطن وقدسيته. بل وإنه دوما على أهبة الاستعداد لأن يفدي الوطن بروحه ولسانه وقلمه وجسده، ولا يرضى أبدا لنفسه أن يتخلف عن تلبية نداء الوطن، الذي لا يردّ .
إن قيمة الوطنية ليست مجرد شعارات يهتف بها الناس في مناسبات معينة، أو كلمات تُردد عند حلول الاستحقاقات الانتخابية، ثم تُنسى بعد ذلك في انتظار موعد انتخابي قادم! إنها شعور لازوردي يترسخ في أناك، وفي ضميرك، وفي بنية تفكيرك، إنها شعور ينتابك في أي لحظة، وأنت تأوي إلى النوم، وأنت تخط بالطبشور على السبورة، وأنت ترى علم بلد آخر، وأنت تشاهد مباراة كرة قدم، وأنت تبحث عن تذكرة سفر عبر الشبكة العنكبوتية لأسرتك ولأطفالك الذين ولدوا خارج أسوار الوطن، لتربطهم بالأصل وتعيدهم إلى الذات، وأنت تحكي قصة هجرتك الأليمة لأطفالك الغربيين بالولاة والتجنيس، فترى أن الوطن يكبر في عيونهم، كلما ترعرعوا وأدركوا معنى أن تكون أردنيا !
إن الإنسان لا يكتشف قيمة الشيء إلا عندما يفتقده، وهذا ما يسري أيضا على الوطن الذي لا تدرك قيمته إلا عندما تغادره إلى مكان آخر، فيكبر أكثر في عيونك ووجدانك، ويصبح ما كان يبدو لك مساويء محاسن، وينقلب نقدك إطراء، وهجاؤك ثناء.. ولعل هذا هو حال العديد من الأردنيين في العالم الذين كلما توغلوا في الغربة والبعاد، ترسخ عشقهم للوطن، وتداعت بهم نسائم الحنين الى تلك المنازل التي شهدت ولادتهم، واحتضنتهم أطفالا وصبية، وهذا حب غريزي وأنثولوجي يتجذر في قرارة كل (مهاجر) أردني ، تراه يشد الرحال الى أرض آبائه وأجداده كل صيف وعيد ومناسبة، ويحلم بأن يكون له بيت تحت شمس الأردن، ولا يقبل بأن يتنازل ولو عن ذرة من هويته وتقاليده وعاداته، رغم أنه يتموقع في قلب الحداثة والعلمانية والعولمة.
الدكتور هيثم عبدالكريم أحمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-09-2022 12:42 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |