29-09-2022 11:23 AM
بقلم : الدكتور فارس محمد العمارات
تٌعتبر"الجلوة" العشائرية أداة من أدوات الضبط الاجتماعي عند الجماعات ، حيث كانت سائدة ومُلزمة وضرورية عندما لم يكن هناك دولة بالمعنى الاقتصادي والسياسي البسيط ، و"الجلوة "العشائرية مُلزمة حسب منظومة القيم الاجتماعية خاصة في جرائم القتل أو جرائم العرض، أو تقطيع الوجه، الا أن هذه الجرائم من وجهة نظر العشائريين تعتبر من أكبر وأهم وأخطر القضايا التي تهز المُجتمع وتؤثر فيه ،لا سيما في المٌجتمعات العشائرية المحافظة ،وهي إجبار ذوي الجاني بعيدة غالباً ما تكون داخل المحافظة أو إلى محافظة أخرى يتم االتفاق عليها ما بين عائلة الجاني والمجني عليه برعاية ووساطة رجال الاصلاح والقضاء العشائري.
واليوم وبعد ان أصبح الاردن يناهز المأئة عام فان" الجلوة" العشائرية تكشفت أثرها = وأبعادها على حقوق الانسان سواء ما يتعلق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية ،أو السياسية ،وأن يجد المواطن الذي لا علاقة له باي من ما حدث من جريمة فانه يجد نفسه مُضطراً لمُغادرة منزله قسراً، ومن دون سابق إنذار، أو على الاقل تحمل وزراً جراء ان أسم العائلته قادك لذلك جراء ما قام به شحص منها بالقتل أو الاعتداء على العرض وبالتالي سيضطر ذلك الفرد إلى مغادرة المنزل والاستئجار في منطقة أخرى . وتبدأ رحلة البحث عن مأوى وغالباً ما تكون البيوت خصوصاً في القرى لا ليست بالمستوى المطلوب ،أو تكون باجور مُرتفعة يُرتب على ذاك الموطن أعباء جديدة وكبيرة لا تكون قادر على الالتزام بها . فيكون من الصعب الحصول على منزل بسعر مُعتدل ، ويضاف لذلك تعطيل المصالح والاعمال ، كما يتحمل أهل الجاني أعباء أخرى لها علاقة بالتعليم والوظائف، كما يتحمل الاطفال قسطاً من تأثيراتها خصوصاً من هم على مقاعد الدراسةفيضطرون إلى مغادرة مدارسهم الاصلية والبحث عن مدارس أخرى وما يتبع ذلك من إجراءات إدارية وبيروقراطية في عملية النقل ، وتتفاقم الاشكالية إن لم يكن هناك مدارس حكومية، والعكس بالعكس صحيح عندما يكونوا في مدارس خاصة، وهكذا ما يرتبط بقرب وبُعد المدرسة وغيرها من القضايا المُرتبطة بالعملية التعليمية ، وهذا ما يخالف المادة (9/2 ) من الدستور الاردني والذي ينص على انه لا يجوز أن يحظر على أردني الإقامة في جهة ما ،ولا أن يُلزم بالإقامة في مكان مُعين إلا في الأحوال المُبينة في القانون.
ان الجلوة انتهاك صريح لحقوق الانسان التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية، كاالاعلان العالمي لحقوق الانسان ، ونص المادة (13) بان لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة ويحق لكل فرد أن يُغادر أية بلد بما في ذلك البلد الذي كان يقطن فيه كما يحق له العودة إليه، وهذا نقيض واقع تطبيق "الجلوة" ، كما تُعتبر مُخالفة لاعلان القاهرة حول حقوق الانسان في الاسلام، والذي يتضمن في المادة (12) أن لكل إنسان الحق في إطار الشريعة في حرية التنقل، واختيار محل إقامته داخل بلاده بشكل غير قسري .
إذن تُعتبر مُعضلة "الجلوة "ك تهديد لإستقرار الاسرة والمُجتمع ، لإرتباطها أصلا بغياب المساواة بين الأفراد حيث تُعد من ابكر التهديدات الثابتة لأمن الإنسان، وذلك لتأثيرها على مُختلف الجوانب والأبعاد الحيوية للأمن الإنساني، من حيث مفهومي الحرية والامن من العوز والحاجة، والحرية والأمن من الخوف جراء وجود قانون الدولة والقانون العشائري الذي قد لا يحتكم اليه البعض جراء وجود كثير من المُتغيرات والظروف البيئية الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما يظهر من خلال عدم قدرة الفئات التي تُطبق عليها" الجلوة " العشائرية والتي تُعاني من العوز والحرمان والفقر ، إلى جانب مُعاناتها حالة من الغياب الاقتصادي جراء تركها وظائفها أو اعمالها ، أو الإفتقاد إلى فرص العمل والحصول على الغذاء خلال تطبيق الجلوة العشائرية عليها ، وهو تغييب لمعايير الكرامة والإنسانية ، وجودة الحق في الحياة ومساساً باستمرارية الكائن الإنساني كأبعاد جوهرية ونواة الأمن الإنساني، بل وعلى مستوى الأمن ككل .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-09-2022 11:23 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |