03-10-2022 09:56 AM
سرايا - تنحاز رواية الدكتور محمود أبو فروة الرجبي «أسمعك بعيوني» إلى الواقع المعاصر دون تنميق، مواكبة المتغيرات التي تعصف بالعالم العربي، حيث جاءت الرواية في 359 صفحة وهي لم تكن الأولى له، بل للكاتب العديد من الروايات قبلها ربما تجاوز العدد العشر، واللافت للنظر في هذه الرواية أنها تتبع أسلوبا ممتهنًا في سردها للأحداث بشكل تتوالى فيه القصة بعد الأخرى بعنوان وتاريخ معنون فيكتشف القارئ أن القصة التي بعدها ربما تفسر ما قبلها، حتى يدخل بأحداث أخرى ومتاهات تحتاج إلى تفسير، فهناك ترابط وتشابك في نفس الوقت حتى تصل إلى النهاية السعيدة -كما وجدتها أنا- حيث دفء وحنان الأب والشعور بالأمان لا يعوضه شخص آخر أو مال.
تدور أحداث الرواية (كان يا مكان في قديم الزمان) هناك رجل اسمه (عبد الصمد) وقد تجاوز عمره الثمانين، وهو إنسان عصامي ولد لعائلة فقيرة وكان يعمل أجيرا بسيطا إلى قبل أن يصبح مليارديرا له ثروة كبيرة جدًا، ومن خلال عبد الصمد تدور أحداث الرواية برصد حالات وتغيرات مرت بها المجتمعات العربية.
ففي يوم من الأيام استلم رسالة تخبره بأنه وبعد هذا العمر الطويل لديه ابنة، وهو الذي كان يعتقد طوال عمره انه عقيم، والسبب المؤكد انه قد تزوج مرات عديدة ولم يحدث حمل لزوجاته، وكان له قصص في كل مرحله من حياته الطويلة, والرسالة تقول أن الابنة أصبح عمرها الآن (40) سنة وهنا دخلت إلى عالمه المزدحم بالأحداث التي نوعا ما لم يكترث إليها يوما بسبب انشغاله بأمور كثيرة غيرها، ودخوله فِي صراع من أجل الوصول إلى حقيقة هذَا الأمر والبحث من أي زوجة كانت، وخلال السرد تنتقل الرواية من عمان إلى عدة مدن عربية وعالمية باحثا عن الحقيقة في كل بلد تزوج فيه.
وأثناء ذلك كله نعرف كيف يمكن للإنسان أن يسمع من يحب بعينيه أولًا قبل أذنيه. حيث في بداية القصة كانت الابنة ترفض اللقاء بابيها لكن بعد البحث عنها وتوضيح الأسباب تم اللقاء الأول بينهما دخلت عليه فجأةً وكان مريضا قالت له: أنا احبك
قال لها (عبد الصمد) دون أن يعرف أنها ابنته: وأنا احبك يا ابنتي
أغمضت عينيها وقالت له: جميلة من فمك
أجابها: عندما أجد ابنتي سأطلب منها أن تكون صديقتك إلى الأبد
قالت: أنا هي
قال عبد الصمد: لم افهم
قالت: أنا ابنتك
وبعد حديث طويل بينهما أخبرها: إن فرحي الآن بك أكبر من الماضي كله، وضعت رأسها على صدره وشعرت بأنها اسعد مخلوق في الأرض.
قالت له: لن أغادر صدرك فـسيكون مهبطي ومستقري وحياتي فهنا سأدفن أحزاني، لكن عبد الصمد لم يفهم ما تقول لان صوتها كان منخفضا انتبهت فقالت وقد قربت فمها كثيرا من أذنيه: ألم تسمعني يا أبي؟
أجابها: تحدثي، ولا تقلقي فانا أسمعك بعيوني.
الأنثى قبل الأخيرة
تعالج هذه الرواية موضوع الطبقية (الفقير والغني) في عالمنا الحالي، حيث يحتكر الغني سلطة الأمر والنهي والمال والتحكم في البلاد والعباد.
هذه الرواية بطلها شاب يدعى (عباس) وكان قد عانى من طفولته السيئة والقمعية التي عاشها مع أب متسلط وأم ضعيفة سبب له صفة الخجل والعزلة عن البشر، تلك العزلة التي يمكن أن يصفها البعض بحالة من الاكتئاب تؤدي إلى الجنون، إنها صراعات وتناقضات داخل النفس البشرية نعيشها نحن أحيانا لكن نتصرف بالعكس مع الآخرين وهذا مرهق.
وأيضا شخصية (زهدي) صديق عباس المقرب، وهو شاب متحمس للحياة وذكي جدا ولم يحالفه الحظ في عمل ينقذه من فقره الذي كان سببًا مهمًا في سرقة أحلامه وطموحاته، ولأنه فقير فيأخذ غيره المقتدر مكانه وبكل سهولة!
هذه الحالة المعلقة بين الواقع والحلم المستحيل يختصرها الروائي بمشهد غرق فتاة وشاب في البحر هرباً من واقع مؤلم لم يستطيعا مجاراته، فيغدو البحر وسيلة للخلاص ورمي الطموحات في أعماقه.
شاهد عباس سارة وخطيبها وهما يتحدثان فيخبرها بأنه سوف يسافر كي يعمل وتتحسن حياتهما وكيف هي ترفض تلك الفكرة، وتوجهت نحو البحر مهرولة، وهي تبكي بصمت ورمت نفسها داخل الأمواج العالية، ثم تلاشت مع زبد البحر، أدرك خطيبها أنها تنوي الانتحار، ماتت سارة وبعدها خطيبها.
لكن عباس أحب سارة الميتة وعاش أحداث محزنة وجد تحليها داخل نفسه، فسارة تمثل فقده لـ (هند) حبيبة الطفولة الذي ضاعت منه، وان ما عاش المرء في طفولته ينعكس عليه بشكل من الأشكال في كبره، وصديقه زهدي الذي كلما تكلم معه شعر كم من الظلم عاش دون أن يغير حاله، بل عكس ذلك حيث أصبح إنسانا مهزوزًا وضعيفًا، وهذا ما توصل إليه عباس في آخر الرواية.
وملخص أقول إن أخطاء الماضي تحصد نتائجها في المستقبل.