10-03-2008 05:00 PM
بين الأمس وبين اليوم... وعلى صوت الطبل الليلي الغجري... وفي أحضان شعر الغجرية المتفحّم في عمق الليل... كانت تجلس طفلة ترقب أنفاس البحر النائم...
وبينما أنا في ترحالي أُمسك بطرف الشهب المولع بالتجوال... استوقفني الحزن المزروع في أهدابها الحائرة... ودموع قلبها المكسور في نظراتها الوجلة...
فرماني الشهبُ عن الشهبِ...
حاولت أن أستطلع وأستجلي شيئا عنها وعن عالمها المخفي، فوقفت بجانبها دون أن تشعر بوجودي واتّبعت نظراتها بمهارة الموساد وأبصرت ما لم تبصره عيناي من قبل بالرغم من كثرة ترحالي وغزارة أسفاري...
في جوف البحر النائم وفي قاعه السحيقة رقدت رمال عربية بأمان واستسلام... وكان خالد بن الوليد يمتطي صهوة جواد عربي أصيل... يشهر سيفه يقاتل صلاح الدين الأيوبي الذي أرهقه جهل استخدام القنبلة الذرية بين يديه... فقُتل... نعم... رأيت رأسه يتدحرج أمامي حتى ارتطم بكوب خمر ملقاة على الأرض هناك... ألقاها جنكيز خان بعد أن دخل العراق... ودجلة أمامي أبكاه حبر الكتب المهدورة حتى فاض... الطفلة تتشبث بي... تخيفها ضحكات هولاكو وبلفور وجنازة أحمد ياسين...
تغتسل الأحداث بلون الخمر المسكوب... وبحزن الحق المسلوب... وصهيل خيل مروان الهاربة من دمشق يعلو... خاتم ضيق... وسيف مكسور... أجساد ممزقة وأطراف مبتورة... أشلاء مبعثرة وأطمار متسخة ومهترئة تناثرت في القاع هنا وهناك... فرس عربية أصيلة ميتة... وجثة السادات متعفنة... رأس صلاح الدين ودرع أبي عبد الله المهزوم... أصداء هتاف التتار... وذئاب تعوي... والطفلة تبكي... والغجرية الليلية ما زالت هناك يطفئ شعرها المتفحم ألق النجم في الفضاء... وصرخات العروس المستباحة تعلو... ستون عاما والثعالب تتآمر من حولها وتمزق جسدها إربا إربا...
أخذت أبحث مع الطفلة في أعماق البحر النائم وفي زوايا الأمكنة وشقوق الشعاب المرجانية... وتحت الصخر وفي بطن السمك وعلى طرف ذيل الحوت عن أهل العروس المغتصبة... عن شرطي واحد تمكن من الفرار من سلاسل واشنطن...
بحسرة التاريخ وبوجع القلب المكلوم... بقهر النبض العاجز وبرحاء النفس الملتاعة... برفض للزمان وللحدث وللأقدار راحت الطفلة تعدّ أهات القهر... فأعياها العد وأرهقها الصمت... والثعالب ما زالت تتآمر والصراخ يعلو ويدنو وأسرى غوانتنامو ضائعون... والغجرية ما زالت ترقص... والبحر ما زال نائما... لكنه يتأوه... أثقله حزن الطفلة... أبكاه نجم العمر المنطفئ في عينيها المتورمتين دهشة...
نهضت تلك الطفلة والشمس المتمدنة المتحضرة المتعولمة المتطبعة تلتهم الوقت وتتجشأ...
ركضَت على الرمال العربية الراقدة بسلام واستسلام، وتذوقت الخمر وشربت قليلا من الدم، فتحت فم قطز وأخذت تضرب جسد عبد الناصر بسيف خالد... ثم اختطفت خاتم إحدى العرائس الشرقية الميتة وألقت بنفسها في حضن الغجرية الليلية التي أتعبها الرقص الليلي المتواصل... لترحل في قافلة الغجر... في كهف العدم المنحوت بالماس المزيّف المعتم... والبحر ما زال يتأوه... وقرص الشمس يتبجح في وجه الغروب ويشرق...
لكن عساكر الليل قد أكلت الطفلة، وأكلت الموكب الغجري... وشهابي فشل في مجاراة الرقصة الغجرية واحتضن ذهولي بصمت الجبان وهو يلهث...
التقطتُ حبات الدمع الهارب من ذكرى الطفلة وأمسكت بطرف الشهب المولع بالتجوال وتابعت الترحال... على صوت قرع الطبل الغجري وراء الموكب ووراء الطفلة...
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-03-2008 05:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |