09-10-2022 02:36 PM
بقلم : أ.د. محمد القضاة
نعد روسيا الاتحادية بعاصمتها موسكو مركز ثقل لما كان يطلق عليه الاتحاد السوفيتي,والتي تجاوزت مساحته 22 مليون كم مربع وبحدود مترامية الاطراف تقاس بعشرات الالاف من الكيلومترات ,بمناطق زمنية تشتمل على نصف العالم زمنيا.
شهدت صفحات التاريخ بان الاتحاد السوفيتي لعب دورا بارزا في كافة المجالات والاحداث الحياتية للبشرية وابرزها الحرب العالمية الثانية وتشكيل قطب جديد على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي والايدلوجي.
ظل هذا الاتحاد بكل ايجابياته وسلبياته قائما لما يقارب ال 74 عاما,كان البناء لهذا الاتحاد طويلا ومضنيا , الا ان انهياره لما ياخذ اكثر من بضع ايام ,فتفرقت ما كانت تدعى جمهوريات الاتحاد لتصبح دول مستقلة ذات سيادة عن باقي الجمهوريات ,الادهى من كل ما حدث تمزق الروابط التي كانت تجمعهم واصبحت الاخوة من الماضي وحلت العدواة والبغضاء بين هذه الدول ونشبت حروب .لاقى الانفصال ترحيبا من القوميات انتظارا لحياة جديدة بطعم الليبرالية والانقتاح والسوق الحر وما الى ذلك من جوانب,مع وجود اصوات معارضة لهذا التفكك السريع ولهذا الانتقال من حياة المساواة (الى حد ما) في الصحة والتعليم والمسكن ....الخ.
تمر السنوات على هذه الدول المستقلة ومنها زعيمة الاتحاد السوفيتي روسيا وتبدأ تتكشف لبعض الناس زيف الليبرالية وظهور طبقة غنية فاحشة الغناء وطبقات فقيرة مدقعة الفقر .كما بدأت اصوات تعلو خاصة بعد الاهانات المتكررة من بعض الدول للروس ,كارسال مساعدات غذائية غير صالحة للاستهلاك البشري او مطالبة روسيا بالرضوخ لاملات الغرب .
أعتبر الغالبية العظمى من الروس المنتمين الى حضارة عريقة قديمة وحديثة والتي تعج بالعلماء والادباء والمفكرين ان روسيا مستهدفة من الغرب وان الاخير يريد تركيعها من خلال الاحاطة بها من كافة الاتجاهات .
بدأت الاصوات تتعالى في روسيا بان ما يحدث اهانة لروسيا العظمى.وتظاهر العديد بين مؤيد ومعارض للارتماء باحضان الليبرالية .
نقطة التحول الفاصلة في حياة روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي جاءت مع صعود فلاديمير بوتين الى سدة الحكم ,حيث بدأ التغير التدريجي وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي. فمن حكم المافيا داخليا والقتل وحرب العاصابات عاد الامن والامان الى شوارع روسيا عامة وموسكو خاصة وعادت هيبة الدولة واعاد النظام اليها واما على الصعيد الدولي فقد بدأت روسيا تتخذ مواقف مستقلة عن الغرب بل وسعت الى ايجاد تحالفات خارج المنظومة الليبرالية.
أعتمد فلاديمير بوتين ذو الشخصية الاستخباراتية القوية على مجموعة مقربة من المفكرين والسياسين في ادارة روسيا .
احدى هذه الشخصيات المشهورة وصاحب الالقاب الكثيرة هو فيلسوف القرن فلاديمير دوغين. فمن هو فلاديمير دوغين ,ولد في 7 نوفمبر من عام 1962 ,بعد انتهاء المدرسة مر الفيلسوف بعدد من المحطات الدراسية والمهام ,فمن معهد الطيران الذي لم يحد به ضالته الى مجالات جديدة وجد فيها اهتماماته ,فسلك الفلسفة والادب والسياسة والتاليف . تزوج ومن الزواج الاول له ابن ومن الزواج الثاني له ابنة داريا التي قتلت بتفجير سيارتها قبل ايام .
اشرنا الى ان الفيلسوف مر بمراحل مختلفة ,فمن مؤسس للجبهة القومية البلشقية وحزب اوراسيا وعضوية الحزب الحاكم الى الكاتب والمقدم للعديد من البرامج الاذاعية والتلفزيونية كاسرار القرن ,الذي استمده من عمله في ارشيف جهاز الك جي بي الى رئيس تحرير لعدد من المجلات العلمية والادبية والفلسفية الى مستشار سياسي عسكري ايدلوجي للكرملين.....الخ.
يتمتع فلاديمير دوغين بحضور كبير على الصعيدين الداخلي الشعبي والرسمي وعلى الخارجي ,ويعود الى امتلاكه مخزون معرفي ولغوي علاي جدا ,فبالاضافة الى الاستاذية في علم الاجتماع وفي اعرق الجامعات الروسيىة جامعة موسكو الحكومية الى مخزون لغوي يتمثل باتقانه لثمان لغات عالمية . كل هذه المقومات وعضويته في حزب روسيا الموحدة ومن مؤسسين الجبهة القومية البلشفية وحزب ازوراسيا جعلته محط انظار قادة الكرملين واهمهم الرئيس بوتين وكذلك هئية ااركان العامة للجيش الفدرالي الروسي , حتى ان كتبه "الخلاص من الغرب الاوراسية" و "الحضارة الارضية مقابل الحضارات البحرية والاطلسية " اعتمدتا كمهاج يدرس في اكاديمية الاركان للجيش الفدرالي الروسي .
أركان فلسفته
يؤمن دوغين بالهوية الروسية كامبراطورية بعقيدتها وتصورها وامتدادها وفكرها وسياساتها , ويؤمن بان التغيرات التي حدثت عام 1991 م غيرت في توجهات الهوية الروسية , حيث اعتبرها اي روسيا بانها اصبحت جزاءا من العالم الغربي , ويؤمن بان بوتين اعاد لروسيا هويتها من خلال اعتماد روسيا في سياستها على قيمها وليس قيم الغرب المتوحش.كما يعتبر ان الد خصوم روسيا هو الناتو الطامع في الوصول الى حدود روسيا.
يعد دوغين من اشد المناصرين لسياسة بوتين الداخلية والخارجية , وتمثل ذلك بموقفه المؤيد للتدخل في سوريا بداعي وقف التمدد الامريكي , الى المحور الاكثر سخونة والمتمثل في السياسة الروسية اتجاه اوكرانيا وخاصة ضم القرم الى روسيا بل وطالب الفيلسوف الرئيس بوتين باحتواء اوكرانيا واستيعابها وهذا ليس بغريب عليه فهو عضو بالحزب الحاكم الذي يقوده بوتين.
النظرية الرابعة
يعد دوغين بانه واضع النظرية السياسية الرابعة,فماذا تعني؟ وبالعودة الى ايمانه المطلق بالهوية الروسية وتاسيسه للجبهة القومية البلشفية وحزب اوراسيا فانه ينطلق بان هذه النظرية نظرية الثورة وتصفية الاستعمار بالنسبة للمجتمع الروسي. بمعنى ان الحضارة الروسية العريقة لديها عقيدة اتجاه حضارتها وحقوق الانسان وفق قيمها ومبادئها وعقيدتها وليس مباديء وعقيدة وقيم الغرب المتوحش . هذه القيم الغربية كما يصفها بانها غير مقبولة لا في روسيا ولا في الصين ولا في البلدان الاسلامية .
يرى دوغين بان بوتين يسير على تحقيق هذه العقائد التي يتبناها وهذا ما رحب به قائد الكرملين ,كما طالب الفيلسوف بان تصبح روسيا قائدة للاتحاد الاوراسيوي خاصة دول ما كانت تعرف بالاتحاد السوفيتي , وبما ان اوكرانيا رفضت هذا التوجه وارتمت كما يرى في احضان القيم الغربية من خلال النازيين الجدد. على ضوء ذلك كان اول الداعيمين لاعادة القرم لروسيا والدخول بحرب مع اوكرانيا والذي يعتبرها "روسيا الجديدة" حتى انه وصف الحرب على اوكرانيا بانها حرب على الذين انقلبوا على ارادة الشعب الاوكراني عام 2014 م" النازيين الجدد" ووصفهم بالدمى الغربية.
يؤمن الفيلسوف دوغين بالوعي الذاتي للانسان وهذا يعني بان التركيز ليس على العرق او القومية . كما يرى بان الغرب القائم على مصالح شركات خاصة وليس على صالح الناس بشكل عام . كما اشرنا الايمان القوي للفيلسوف بالهوية الروسية من جهة وانتهاء هيمنة الغرب من جهة ثانية كانت محط اهتمام قادة الكرملين والكثير من الجماهير الروسية . الدليل على ذلك مقولته الشهيرة اما ان تنتصر روسيا او يزول العالم بالسلاح النووي .
ربما السؤال البديهي من اين حاءت هذه الافكار الفلسفية للفيلسوف ؟ من الصعب الاجابة بالمطلق لكن بالامكان ايراد بعض الافكار التي ربما ساهمت في فلسفته وكتاباته وما الى ذلك. اذا عدنا الى خلفية اسرته وبالاخص والده, فوالده جنرال عسكري صارم في اقوى جهاز عسكري زمن الاتحاد السوفيتي المنحل الا وهو جهاز الاستخبارات العسكرية ,فالربما التنشئة كان لها دور ولربما كان عمله في ارشيف ال ك جي بي دور ايضا .كل هذه الجوانب اجتمعت واثرت به حينما راى الضعف والاهانات التي صفعت روسيا بكبريائها على زمن الرئيس يلتسين . لقد تجرأ الغرب على السيادة الروسية بشكل لافت ,لدرجة ان الغرب المح الى امكانية تعيين لجان دولية للاشراف على الاسلحة النووية..كل هذه الجوانب اثارت غضبه وغضب المفكريين والسياسين والعسكرين الروس والتي بدات تطالب بعودة الهوية الروسية ,وانبثق من هؤلاء ومنهم دوغين مطالبين بعودة القومية الروسية,بل انهم رسمو خارطة طريق واضحة لعودة الامبراطورية الروسية .
بالتاكيد هناك الكثير مما يمكن الاشارة اليه ,فالعقلية الروسية المفعمة بحب الوطن ان وجدت قيادة تعيد لها امجادها فانها تستطيع ان تحقق ما تريد والدليل على ذلك من التاريخ كالثورة البلشفية والحرب العالمية الثانية ,حينما كان الشعار "لاجل الوطن"المحفز الرئيس للانتصار على الفاشية ,فكيف اذا راى الشعب من يستخف برموزه كما حدث للرئيس يلتسين المترنح امام الرئيس كلينتون وكيف ان قهقهات كلينتون وقعت على الكثيرين من الشعب الروسي وقع الخناجر الطاعنة في صدور الروس المخلصين.
لاقت كتابات الفيلسوف دوغين الاستحسان من قل الكثيرين من الروس ,فهو يرى ان السياسات التي لاتهتم بالقيم الانسانية وحياة البشر هي سياسات منحطة وفي طريها للزوال وبنظره ووصفه لمن يتبع القيم الغربية "بالمنحرفون".
حينما تتامل صورته الشخصية تعيدك الى ما كان عليه العظماء الروس من كتاب كتلتستوي والساسين كنيكولاي الثاني وما لا ذلك من عظماء. هذه الشخصية ذات الفكر الفلسفي العقائدي تعد شخصية وطنية بامتياز من جانب الكثير من الروس المحبين للهوية القومية الروسية بينما يعد من وجهة نظر الغربين بانه اخطر فيلسوف في القرن وبالنسبة لهم قومي متطرف والسبب افكاره التي بدأت تتحقق وخطة الطريق الذي وضعها لاعادة امجاد الامبراطورية الروسية الى اوج عزها وهيمنتها والسبب ان الراسمالية لاتريد ظهور فلسفات تهدد مصالحها في العالم .
ليبقى السؤال هل ستتغير افكار الفيلسوف بعد مشاهدته لابنته داريا وهي تحترق بسيارتها جراء التفجير؟ ام هل سيزداد انفعالا وحماسا لانجاز ما تبقى من خطته والتسريع بانجازها؟ كل هذه الاسئلة ستتضح الاجابة عنها بالمستقبل القريب.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-10-2022 02:36 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |