18-10-2022 10:43 AM
بقلم : الدكتور فارس محمد العمارات
أدت الثورة الرقمية فائقة التطور إلى بروز ظواهر "سوسيو رقمية" وسياسية وثقافية ودينية، وارتبطت بانفتاح واسع المدى للمجال العام الرقمي، ومواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، وخطاباتها المليارية، بطول الحياة الرقمية وعرضها، في ظواهر بعضها رقمى بامتياز، وبعضها الآخر انتقل من الحياة الكونية الفعليةالمتعددة الأديان والمذاهب والثقافات والأعراق والقوميات إلى الحياة الكونية الرقمية الموازية التى تحولت إلى منصات كونية عابرة للمجالات العامة في دول العالم، ومُجتمعاته المتعددة، سواء تلك التى تسودها القيم والمؤسسات السياسية الديمقراطية، وثقافتها، وآليات عملها، ومعها الحريات الفردية والعامة ،أو تلك التي تسودها التسلطية.
ان مئات الملايين من الشخصيات الرقمية من الدول التى لا تزال تسودها النظم والسلطات التسلطية فإن الأفراد الأحرار في المُجتمعات الديمقراطية التمثيلية وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي مجالاً أوسع للتعبير عن ارائهم ، وممارسة الضغوط من خلال أشكال جديدة، وجماعات ضغط رقمية ذات طابع شعبىوي يمكن من خلالها ممارسة الضغوط الرقمية على المؤسسات السياسية، وتجاوز جماعات الضغط التقليدية، ومعها الأحزاب السياسية وبعض من اعضاء البرلمان، وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، التى بدأت تفقد بعض من تأثيرها القديم.
في ظل غياب الحريات العامة والفردية في حالة بعض النظم التسلطية، حدث تأسيس لمعتقلات الضمير والروح، وذلك بمساعدة بعض المؤسسات الدينية التابعة. ومن هنا، شكل المجال العام الرقمي فرصة تاريخية واستثنائية في تحول الذوات الشخصية الفعلية إلى شخصيات رقمية مؤثرة تلعب دوراً هاما في المجتمع وتؤثر في الافراد ،وتعبر عن نفسها بحرية على الواقع الافتراضي، وعن اهتماماتها الفردية وآرائها وتفاعلاتها حول السياسة والأديان والقيم، وعالم التفاصيل اليومي وتوظيف اللغة الرقمية المتمثلة بالصور والفيديوهات كأدوات للتعبير عن همومها وآراءها، بجانب التعبير عن نفسها في مجالات أخرى ذات أهمية في الحياة وتحويله إلى أيقونة جمالية وحواسية مُثيرة للدوافع والرغبات الجسدانية.
ان الظواهر الرقمية الجديدة تتشكل وتتغير بسرعة فائقة مع الحياة الرقمية، من ثم بدت مهمة للتحليل السوسيولوجى وفروعه، وحقوله المعرفية التى استقرت نسبياً عبر الزمن مع تحول المُجتمعات الغربية، وغيرها في ظل بعض التحولات في المفاهيم والنظريات ومفاهيم التحليل السوسيولوجى، بل والاستقرار النسبى لآلة الاصطلاحات السائدة في هذه الحقول ، فيما استقرت الظواهر والمشكلات الاجتماعية في المُجتمعات وواقعها وتفاعلاتها الفعلية نسبياً مع تراكم الدراسات الجدلية ،والتنظير الاجتماعي.
ومن هنا، اُستخدمت هذه الآلة النظرية، والإصطلاحية، في تحليل ظواهر ومشكلات اجتماعية رقمية، أى انتقال بعضها من الواقع الفعلي إلى الحياة الرقمية، وبعضها الآخر رقمي بامتياز، من ثم بدت الفجوة بين المقاربات الفعلية للظواهر والمشكلات الاجتماعية، وبين بعض الظواهر الرقمية "السوسيوسياسية " "والسوسيوثقافية " والرقمية. وأن هذه الفجوة بين مُقاربات ظواهر ومشكلات وأزمات الواقع الموضوعي الفعلي وهياكله وبنياته الاجتماعية والثقافية والسياسية والتي تسللت الى النواحي الرياضية والجمهور الرياضي ، وفى الفنون والآداب والمسرح والموسيقى والغناء، تجعل من توظيف هذه المناهج والنظريات والمفاهيم المرتحلة من علوم الاجتماع والانثربولوجيا والفلسفة إلى تحليل الظواهر والأفعال والخطابات واللغة الرقمية، غير الفاعلة في تحليل هذه الظواهر الرقمية، والمُشكلات المُعبر عنها في خطابات المنشورات والتغريدات والصور والفيديوهات الوجيزة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي وصلت إلى وخز النسيج الاجتماعي وتهديد سلمه بكافة العبارات التي تنم عن سلوك غير عقلاني ولااجتماعي ، هدفه تفتيت الروابط الاسرية التي نشأت مع نشوء المُجتمع الواحد .ولو أن الارتباط قد فُك يوماً من الايام، لكن عُرى وثيقة لن تنفصم مهما كان هناك مُهرجون لا قيمة لحروفهم الواهنة .
من هنا فان الحاجة الموضوعية لمُقاربات سوسيولوجية مُختلفة، تنطلق من المجال الرقمي وعوالمه وظواهره ولغته، واشتقاقه مُصطلحات "سوسيورقمية" ، ومعها مفاهيم ونظريات ولغة "سوسيورقمية " جديدة. ولا شك أن السوسيولوجيا الرقمية بعضها يُخلق من سوسيولوجيا الواقع الفعلي وظواهره، لأن بعض الظواهر الرقمية هى محاولات عدة من الواقع الفعلي إلى الرقمي، الا ان هذا المنحى يبدو في طريقه للانقطاع مع مرور الوقت وانفجار الظواهر والمشكلات الرقمية الجديدة التى يعبر عنها مئات الملايين من البشر على المجال العام الرقمي الوطني والإقليمي والكوني المفتوح بلا حدود.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-10-2022 10:43 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |