25-10-2022 11:31 AM
بقلم : م. أنس معابرة
في مرحلة مبكرة من مراحل الحياة كالمراهقة والشباب؛ يبدأ الإنسان في البحث عن أساليب تطوير الذات وتحسين العادات وإكتساب المهارات، ويبدأ في تقليب كتب التنمية البشرية مثل كتب: "العادات السبع"، و"الكاريزما الجذابة"، و"كيف تصبح محبوباً"، و"كيف تكسب قلوب من حولك"، وغيرها. وقد يلجأ الى الإلتحاق في دورات التنمية البشرية المختلفة، التي تهدف الى تسهيل تواصله مع الآخرين، وتحسين ردود فعله في الظروف المختلفة، والسيطرة على غضبه، وكل هذا من أجل أن يقبله الناس ويحبونه.
وفي الأمثال الشعبية تجد الكثير منها ما يدعو الى التساهل مع الآخرين، والتجاوز عن أخطائهم، ومقابلة الإساءة بالإحسان، فهنالك ما يدعو الى الإنحناء وقت العاصفة، أو السير بجانب الحائط والرأس منحنٍ للأسفل، أو مسايرة القطيع والقبول بما يقبله الآخرون.
كل هذا جميل وجيد، والكثير منه مستمد من تعاليم الدين الحنيف، وعاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة في التجاوز عن العثرات، وقبول الإعتذار، والمسامحة في الحقوق، ولكن من المهم الإدراك أن نضع حداً لمثاليتنا في تعاملنا مع الآخرين.
قد يذكر البعض عفو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة يوم الفتح، ولكنه يتناسى أنه أهدر دم عدد منهم، حتى لو تعلقوا بأستار الكعبة. وقد ضرب مثالي الأعلى عمر بن الخطاب أحد أصحابه بالدُّرة حين وجده يسير في السوق محني الرأس دلالة على التواضع، وطلب منه أن يعتز بنفسه ودينه.
لقد أثارني جداً وجود كتاب بعنون: "كيف ترفع ضغط خصومك"، لفهد الطبيب، وهو محلل مالي وكاتب عمود في الصحيفة، وصدر له أيضاً كتاب بعنوان: "صابر والنسرة"، ورواية بعنوان: "آرثر وبلاك".
يستعرض الكتاب ضرورة أن يتوقف الإنسان عن التصرف بمثالية زائدة، لدرجة تصل به أن يصبح خانعاً خاضعاً لتنمر الآخرين، واعتداؤهم على حقوقه دون النظر الى العاقبة، بسبب معرفتهم لطباعه المسالمة في رده على تلك التجاوزات.
لقد توصلتُ الى قناعات تامة بأنه يجب أن تحافظ على أخلاقك وحسن تصرفك تجاه الآخرين، ولكن في لحظة ما لا بد من أن تكشر عن أنيابك، وتوضح للآخرين خطوطك الحمراء التي يجب أن يقفوا عندها، وإلا سيجدون ما لا يسرهم.
تلك الخطوط الحمراء هي التي دفعت النبي لإهدار نفر من قريش، والتي شجعت أبو بكر الصديق لقتال المرتدين لو تخلفوا عن دفع جزء بسيط من الزكاة، والتي أسقطت درة الفاروق على رأس صاحبه.
لقد كنت أستغرب من بعض الشباب الذين يبالغون فيما يعتبرونه حسن الخلق، والإحسان تجاه الآخرين، لدرجة قد تجدهم يهتمون بأشخاص لا يبادرونهم الإهتمام؛ بل ويتعمدون إهمالهم وتجاهلهم، ويخافون على مشاعر البعض الذين لا يترددون في ضرب مشاعرهم بعرض الحائط بكل وضوح وجلافة، بل ودون أدنى إهتمام لردة فعلهم.
من اجل "الكاريزما" قد يتردد البعض في طلب الباقي من البائع الذي يقبل أن يأكل مالاً حراماً، وقد يفقد البعض وظيفته حتى يتستر على أخطاء أحد زملاءه، وقد يخسر أحدهم سيارته لأنه خجل من رفض طلب صديقه المتهور في القيادة، وقد تصبح المرأة خادمة وضيعة في منزلها بسبب إذعانها الدائم لزوجها المتغطرس.
أنا لا أدعو الى التهجم على الآخرين، وإستخدام العنف ضدهم، بل أدعو الى تطوير الذات وتحسن القدرات وزيادة الإمكانيات، والطموح للوصول الى مرحلة الشخصية الجذابة، وإذا أردت أن تكون مهاجماً؛ فكن مهاجماً في طلب حقك، وإذا أردت أن تتنازل عن شيء؛ فليكن ذلك بكامل إرادتك ورغبتك، وليس تحت ضغوط الآخرين، والسقوط في بئر الحياء المبالغ فيه.
وفي الوقت ذاته لا بد من الدفاع أمام هجمات الطامعين في التعدي على حقوقنا، وإيقافهم عند حدودهم، وأن يكون قول كلمة "لا" في الإجابة على طلبات الآخرين بنفس سهولة قول كلمتي "نعم" و"حاضر".
لا بد أن ندرك أننا بشر، ومن الطبيعي أن نرتكب بعض الأخطاء، ثم نملك القدرة على الإعتراف بها والإعتذار عنها، أو أن نملك بعض الصفات السلبية؛ ونسعى بجد وجهد الى تقليلها، فالكمال لله وحده، والعصمة من الأخطاء للأنبياء عليهم السلام فقط، وباقي البشر مصيبون ومخطئون.
إذا كنت من الأشخاص الذين يركضون خلف نموذج الإنسان المثالي؛ فعليك أن تعلم جيداً أنها أكذوبة، وموجودة في الأساطير فقط، وستلهث كثيراً خلف تلك الأمنية، ولن تجد بعد ذلك إلا سراباً.
إقبل بنفسك، وحاول تطوير قدراتك من أجلك لا من اجل إرضاء الآخرين، أحسن معاملة من حولك من الناس، ولا تنسى أن تضع لهم خطوطاً حمراء، ثم لا تسمح لهم بتجاوزها.