29-10-2022 11:23 AM
سرايا - يشغل الدواء الأوروبي مساحة واسعة على خريطة الإنتاج في العالم، وهي الصناعة الأكثر رواجا بعد صناعات "الذهبين" الأسود والأصفر.
وتسيطر أوروبا على كثير من مفاصل صناعة الترياق عبر "امبراطوريات" تمارس نوعاً من الاحتكار والتحكم، وتحدث أثرا كبيرا على مستوى العالم.
وبرزت مشاكل توزيع وتوريد الأدوية في القارة، كآخر التحديات بعد أزمة الطاقة، وتنطوي على مخاطر تهدد الصحة العامة بحسب القائمين على هذا القطاع.
وتسيطر الدول الأوروبية على حصة سوقية في سوق الأدوية العالمي تبلغ نسبتها 79.2%.
وفقدت الأدوية الخافضة للضغط، والمضادات الحيوية، ومدرات البول، وأخرى كمضادات الذهان والاكتئاب، زمرًا واسعة منها في مختلف الدول الأوروبية، فما كان من وزارات الصحة إلا الإسراع في اتخاذ إجراءات تضمن الإمدادات في الصيدليات.
وشملت هذه الإجراءات قيام إيطاليا باللجوء إلى المعاهد الصيدلانية العسكرية التابعة للجيش الإيطالي لإنتاج الأدوية التي يحتاجها السكان وتعويض النواقص.
وخففت ألمانيا اعتمادها على الشركات الكبيرة للأدوية التي تُحكم على القطاع الدوائي بقبضة الزمر الدوائية النوعية، فضلاً عن إجراءات في دول أخرى تمحورت حول تقليص الإنتاج النوعي.
وعلى اختلاف هذه الإجراءت وغيرها، تبقى تهديدات قطاع الدواء سيدة الموقف، وتصدر المشهد على شكله التالي: الدواء يترنح بين أسعاره الباهظة وانخفاض إنتاجيته أو فاعليته ربما!
يقول هاني فاخوري، وهو صيدلاني ألماني من أصول عربية، إنه "منذ وقت طويل ونحن ننذر بالخطر بسبب فقدان أو نقص المسكنات وأدوية الحمى للأطفال، لكن الجميع تجاهل صرخاتنا، المعامل والحكومة والسياسيين، وكأن الأطفال ليس لديهم لوبي فعال مع الأحزاب الحاكمة".
ويضيف فاخوري، الذي يملك صيدلية في مدينة دريسدن منذ 10 سنوات: "مؤخراً توسع النقص ليشمل زمراً دوائية أخرى مثل خافضات الحرارة ومضادات الاكتئاب وبعض الأدوية النوعية".
ويردف: "يجب ممارسة الضغط على الشركات المصنعة، ويجب زيادة الإنتاج على المدى القصير وتأمينه على المدى الطويل، لا ندري لماذا تقف الحكومة ساكنة أمام هذا التحدي".
ويتابع: "توقفت بعض الشركات عن إنتاج زمر دوائية معينة"، مؤكدا أن "باقي الشركات المصنعة القليلة المتبقية لم تعد قادرة على تغطية الطلب".
وختم الصيدلاني حديثه: "المسؤولية تقع على جميع الحكومات السابقة، بسبب السياسة الدوائية التي انتهجوها والتي قامت على احتكار الشركات الكبيرة لتصنيع الأدوية وتوريدها، وبذلك فقدت القدرة على ضمان التوازن والحد من تأثير الشركات الكبيرة".
وكانت شركة الأدوية العالمية “تيفا” حذرت أمس الخميس، من أن ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا يهدد قطاع تصنيع الأدوية، وينذر بتسريع نزوح الشركات المهمة في تصنيع الأدوية الأساسية.
وذكرت “تيفا”، التي تعد من أكبر الشركات في هذا القطاع على مستوى العالم، أن الحرب ستقوّض قطاع الأدوية في القارة إلى الأبد، خصوصاً أن معظمها أدوية أساسية في علاج المشكلات الصحية المزمنة، وضرورية في الإجراءات الجراحية.
إلى إيطاليا حيث تتحدث وكالة الأدوية الإيطالية عن أكثر من 3 آلاف دواء مفقود، وتتنوع الفئات المفقودة بين الباراسيتامول ومضادات الاكتئاب والمضادات الحيوية.
أما الأسباب فأرجعتها الوكالة إلى نقص المواد الخام الناجم عن الأزمة، ونقص الوقود وارتفاع سعره الذي أدى للقصور في عمليات التوزيع.
يقول برونو بريندا، وهو يعمل في شركة "Menarini" للأدوية: "في الحقيقة بدأ النقص في بعض الزمر منذ السنتين الماضيتين، نتيجة الاستخدام المفرط في فترة علاج كوفيد 19 خاصة بالنسبة للباراسيتامول، لتأتي أزمة الطاقة اليوم وتضاعف حجم المشكلة".
ويضيف بريندا: "نقص المواد الخام الأولية اللازمة لصناعة الأدوية ومواد إنتاج الزجاجات والأغطية هي أبرز المشكلات، إضافة لمشاكل الوقود والكهرباء، وهناك جانب آخر وهو الاختلال في أسعار الأدوية في إيطاليا مقارنة بالدول الأخرى".
وبحسب شهادة بريندا، تعتبر ما أسماها الاختلالات في سلسلة التوزيع، هي لب المشكلة، وقد أدت لفقدان بعض الأدوية في بعض المتاجر والصيدليات الإقليمية.
وختم حديثه قائلا: "الصيدليات استنفرت على الفور واستجابت لتعويض نقص الأدوية، عبر وصفات مماثلة، مثل استبدال الإيبوبروفين للأطفال بمستحضرات الجالينيك، لكن تبقى هناك زمر دوائية لا يمكن تعويضها".
سرعان ما لوحت الأزمة الحالية بتغيير الوجهة الشرائية الأوروبية إلى أسواق الشرق، حيث الهند، أكبر الدول المصنعة للأدوية في العالم، والصين التي تعد الأولى بالمواد الكيميائية المكونة للأدوية، وأسواق أخرى في آسيا.
كما بدأت بعض الشركات تبحث عن منافذ لاستضافة خطوط إنتاجها خارج أوروبا، مبدية استعدادها للاختناقات التي من الممكن أن تظهر في خط التوريد إلى القارة، لكن الزيادة المهولة في تكاليف الإنتاج ستجبر المصانع على هذا التحول في ميادين التصنيع، حيث التكاليف أقل، حسب تعبير الشركات.