03-11-2022 08:30 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
هنأ جلالة الملك قبل أيام رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بحصول حكومته على ثقة مجلس النواب، حيث يوجب الدستور العراقي على رئيس الوزراء المُكلف أن يتقدم بأسماء فريقه الوزاري ومنهاج عمل حكومته إلى مجلس النواب للموافقة عليها وذلك قبل أدائه اليمين الدستورية.
إن المادة (76) من الدستور العراقي تنص صراحة على أن يُكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء، بحيث يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف، ومن ثم يعرض رئيس الوزراء أسماء أعضاء وزارته ومنهاجه الوزاري على مجلس النواب. ويعتبر الرئيس حائزا على ثقة مجلس النواب عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس.
وبعد الحصول على الثقة النيابية، يؤدي رئيس وأعضاء مجلس الوزراء اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، وتعتبر الحكومة دستورية بالكامل منذ ذلك التاريخ وذلك عملا بأحكام المادة (79) من الدستور العراقي.
إن ثقة مجلس النواب هو شرط أساسي لكي تباشر الحكومة في العراق مهامها الدستورية، إذ يترتب على سقوطها في امتحان الثقة أن يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة، وذلك خلال مدة أقصاها خمسة عشر يوما من تاريخ رفض المنهاج الوزاري للوزارة السابقة.
وتجدر الإشارة إلى أن الثقة في الدستور العراقي يتسع نطاقها لتشمل إلى جانب البرنامج الوزاري للحكومة الجديدة أسماء الوزراء الذين سيقومون بتنفيذه. فأي برامج حكومية لا يمكن فصلها عن شخوص الوزراء الذين سيعهد إليهم مهمة تطبيقها. وهذا الحكم يفرض على رئيس الوزراء أن يحافظ قدر الإمكان على أعضاء فريقه الوزاري، وألا يتوسع في التعديلات الوزارية التي من شأنها أن تُحدث تغييرا جوهريا في أسماء الوزراء الأصليين الذين جرى التصويت على برنامج عمل الحكومة على أساسهم.
في المقابل، فإن الدستور الأردني لم يتضمن أحكاما واضحة تتعلق بالوضع القانوني للحكومة في الفترة بين أدائها القسم أمام جلالة الملك استنادا لأحكام المادة (43) من الدستور وحصولها على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري. فكل وزارة جديدة تؤلف يترتب عليها أن تتقدم ببيانها الوزاري إلى مجلس النواب خلال شهر من تاريخ تأليفها إذا كان مجلس النواب منعقدا للحصول على ثقته عليها، وذلك عملا بأحكام المادة (53/3) من الدستور.
إن الواقع الدستوري يشير إلى أن الحكومة في الأردن تعتبر دستورية بالكامل من تاريخ صدور الإرادة الملكية السامية بتشكيلها وأدائها القسم، وأن البيان الوزاري لا يعتبر شرطا لاستكمال دستوريتها أو عائقا أمام مباشرتها لولايتها العامة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية.
وما يعزز من وجهة النظر هذه غياب النص الدستوري الصريح المماثل للحكم الوارد في الدستور العراقي، إلى جانب طول المدة الزمنية بين تشكيلها وحصولها على ثقة مجلس النواب في حال تأليف الحكومة في الفترة التي يكون فيها مجلس النواب منحلا. فالمادة (53/5) من الدستور تنص على أنه إذا تشكلت حكومة جديدة ومجلس النواب منحلا، فإنه يتعين على رئيس الوزراء أن يتقدم ببيانه الوزاري خلال شهر من تاريخ اجتماع المجلس الجديد.
وحيث ان المادة (73/1) من الدستور قد حددت مدة زمنية لإعادة انتخاب مجلس النواب بعد الحل أقصاها أربعة أشهر، فتكون الفترة الممتدة بين تأليف الحكومة وحصولها على ثقة مجلس النواب في هذه الحالة طويلة جدا. بالتالي، يصعب القول ان الحكومة التي تتشكل عند حل مجلس النواب تباشر أعمالها الدستورية بعد الحصول على ثقة ممثلي الشعب.
إن الدساتير المقارنة قد نهجت نهجا مغايرا للدستور الأردني، واقتربت من الدستور العراقي من خلال ربط مباشرة الحكومة لمهامها الدستورية بحصولها على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري. فالفصل (88) من الدستور المغربي ينص صراحة على أنه «بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، وتعتبر الحكومة منصّبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبّر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم».
كما نص الفصل (89) من الدستور التونسي لعام 2014، الذي تقرر إلغاؤه في عام 2022، على أن تعرض الحكومة المكلّفة موجز برنامج عملها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه، بحيث يتولى رئيس الجمهورية تسمية رئيس الحكومة وأعضائها بشكل دستوري وأدائهم القسم أمامه عند نيل الحكومة ثقة المجلس.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-11-2022 08:30 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |