07-11-2022 10:27 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
تكررت في الآونة الأخيرة وقوع حالات من المشادات الكلامية والصراخ أثناء اجتماعات اللجان الدائمة في مجلس النواب، حيث امتدت هذه الخلافات لتشمل النواب أنفسهم الذين كان تدب بينهم حالة من الفوضى وتعالي الأصوات، أو بين النواب الحاضرين والشخصيات العامة الذي يجري دعوتها للنقاش والتباحث معها. وقد كادت هذه الخلافات أن تتطور في بعض الحالات إلى الاعتداء الجسدي واللفظي لولا تدخل الوسطاء وإنهاء الموضوع بشكل ودي.
إن اللجان الدائمة في مجلس النواب هي الركيزة الأساسية للعمل النيابي. ولهذه الغاية، فقد حرص النظام الداخلي لمجلس النواب على أن يورد أحكاما تفصيلية تتعلق بطبيعة هذه اللجان من حيث عددها وأسمائها، وكيفية تشكيلها وممارستها لمهام عملها. ونظرا لأهمية دورها في المجالين التشريعي والرقابي، فإن العديد من هذه اللجان تحرص على إدامة اللقاءات وعقد الجلسات بشكل مستمر، حتى في فترة العطلة البرلمانية وبين أدوار الانعقاد. وهذا موقف يُسجل لرؤساء هذه اللجان ومقرريها.
ويبقى التساؤل الأبرز حول المركز القانوني للنائب العضو في اللجنة الدائمة، وما إذا كان يتمتع بكافة الامتيازات المقررة دستوريا خلال فترة عمله في اجتماعات اللجان، وأهمها الحصانة النيابية التي تكفل له حرية الكلام وإبداء الرأي، وعدم مؤاخذته عما يصدر عنه من عبارات وجمل قد تتضمن في جزء منها تهجما وذما لباقي أعضاء اللجنة أو أي من الشخصيات التي تحضر الاجتماع.
فما نشاهده من تصرفات ونسمعه من عبارات في الفيديوهات التي يجري تسجيلها وتداولها لوقائع اجتماعات اللجان يثير استفسارات دستورية حول مدى تمتع النائب المعني بالحماية الدستورية، واعتبار ما صدر عنه من كلام ونقاش ضمن إطار الحصانة النيابية لغايات عدم مساءلته عنها.
إن الحصانة النيابية بصورتيها الإجرائية والموضوعية قد جرى تنظيمها بنصوص صريحة في الدستور الأردني. فالمادة (87) منه تكرس الحصانة الموضوعية المتمثلة بعدم جواز مؤاخذة النائب عما يصدر عنه من آراء أو أفكار أثناء عمله البرلماني، بالقول "لكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب إليه، ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب أي تصويت أو رأى يبديه أو خطاب يلقيه في أثناء جلسات المجلس".
فما يستفاد من هذا النص الدستوري أن حرية الكلام والنقاش بالنسبة للنواب ليست مطلقة؛ فهي مقيدة بشرطين أساسيين: أولهما أن تكون هذه الحرية في حدود النظام الداخلي لمجلس النواب الذي يتضمن قواعد تنظيمية خاصة بالحديث والنقاش في المجلس، وثانيهما أن تتعلق بأي رأي يبديه النائب أو خطاب يلقيه أثناء جلسات المجلس.
إن عبارة "أثناء جلسات المجلس" الواردة في المادة (87) من الدستور إن جرى تفسيرها من منظور حرفي ضيّق، فإنها تقصر نطاق الحصانة الموضوعية عما يصدر عن النائب من كلام ونقاش خلال جلسات المجلس فقط. وبمفهوم المخالفة، فإن ما يُبديه النائب من أراء وأفكار خارج هذه الجلسات، سواء في اجتماعات اللجان أو في قاعات المجلس وممراته، لا يكون مشمولا بالحصانة النيابية.
في المقابل، فإن غاية المشرع الدستوري من تقرير الحصانة الموضوعية وإلزامه مجلس النواب بأن يضع نظاما داخليا لضبط وتنظيم إجراءاته، ومن ضمنها إنشاء لجان نيابية دائمة ومؤقتة تمارس عملا تشريعيا ورقابيا، لا يتوافق مع أي تفسير ضيّق محدود لعبارة "جلسات المجلس". فلا يُعقل أن يكون مراد المشرع الدستوري ونواياه أن يلزم النائب بحضور لجان المجلس والعمل فيها، مع حرمانه من الحصانة النيابية وحرية الكلام.
إن الدساتير المقارنة كانت أكثر وضوحا من الدستور الأردني فيما يخص تحديد نطاق الحصانة النيابية الموضوعية. فالمادة (112) من الدستور المصري تنص بالقول "لا يُسأل عضو مجلس النواب عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله في المجلس أو في لجانه"، كما تنص المادة (110) من الدستور الكويتي بالقول "عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بأي حال من الأحوال". وينص الفصل (64) من الدستور التونسي لعام 2022 بالقول "لا يمكن تتبع النائب أو إيقافه أو محاكمته لأجل آراء يبديها أو اقتراحات يتقدم بها أو أعمال تدخل في إطار مهام نيابته داخل المجلس".
وعليه، فإن الحاجة ماسة اليوم لأن يتم الطلب من المحكمة الدستورية تفسير المادة (87) من الدستور، وذلك فيما يخص تحديد المقصود بجلسات المجلس الذي يتمتع خلالها النائب بحرية الكلام والنقاش، وما إذا كانت تشمل اجتماعات اللجان النيابية من عدمها.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
07-11-2022 10:27 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |