08-11-2022 03:37 PM
بقلم : خلدون مدالله المجالي
يبدو ان الحاجة المستمرة لاعادة انتاج مفهوم العين بصفته الدستورية المطلوبة تبرز كلما انشغل الرأي العام الاردني بتداعيات تشكيل مجلس الاعيان وطريقة اختيار اعضاؤه الجدد ومسببات اعادة تعيين البعض منهم بوصفه الرديف التشريعي والرقابي لمجلس النواب من حيث الاصل والارادة السياسية، ربما ان الدراية الدستورية لدور العين لا بد ان تحضى بالأولوية على مفهوم التكريم والتشريف التي درجت الدولة الاردنية على اعتباره الفيصل في اختيار الاعيان، وربما ان تعاظم حالة الاحباط الشعبي من أداء مجلس النواب تلقي الضوء تلقائياً على الشق الثاني من مجلس الأمة لتبحث فيه ولو عن بصيص أمل يمكن أن يساهم في اثراء دور الرقابة على سياسات الحكومات والخروج من دور المجالس التقليدية.
الذاكرة السياسية حُبلى بالادوار الموتورة لمجالس الأعيان، هذا المؤشر الخطير في العمل السياسي يمكن تفسيره كانسحاب مبرمج لدى البعض او حالة من اللبس في مفهوم الولاية العامة باعتبار ان عضوية العين مكافأة نهاية خدمة هادئة ويمكن تفسيره ايضاً بنقص الدراية باحكام الدستور الذي لم يمنع الاعيان اصلاً من القيام بالرقابة على اعمال السلطة التنفيذية، حيث لم يقيّد الدستور الاردني مجلس الاعيان بأي نص او اسلوب اذا رغب الأخير في التعاطي مع الشأن العام وممارسة دور مؤثر يُعلي مصلحة الوطن الذي يعتبر الاعيان من ابنائه.
الشعب الاردني يعاني من مشاكل داخلية نتجت على الدوام من اسلوب الادارة الاردنية وكيفية التعامل مع الوظيفة العامة والولاية الوظيفية سواء، التراكمات العرفية حين ألقت بظلالها على الفكر السياسي وساهمت غالباً في تشويه حالة الوعي السياسي كانت نتاجاً للفهم الخاطىء للقوانين والصلاحيات والاعراف الدستورية، فحالة الالتباس الخاطئة لدور العين ( الخجول، المتقاعد، المترف ) كانت نتيجة ربما مقصودة بذاتها لتجريده من مهمة الرقابة على اعمال الحكومات وترك تلك الوظيفة لمجالس نيابية_ تحت السيطرة_ لم تقم بأعبائها على الوجه المطلوب حين حازت على سخط الشارع العام بل وصل الأمر بالرأي العام للمطالبة بالغاءها او حلها لانعدام تأثيرها على اعمال الحكومات وافتقارها للدور الرقابي المأمول.
يبقى السؤال الوطني المفتوح برسم الشك، ما المانع ان يمارس العين مهامه التشريعية والرقابية معاً ويخرج بشكل مباح عن دوره النفسي المقيّد فربما سيسهم ذلك في اضفاء نكهة وطنية على ضرورة وجود مجلس الاعيان وترك الباب مفتوحاً للاستفادة من تجاربهم وافكارهم في اثراء مسيرة البلد لا سيما وان غالبية الاعيان يعتبروا اصحاب باع طويل في العمل العام المدني والعسكري.
وجهة نظري بان طريقة وأزمة التعاطي مع العمل العام برواسبها العرفية والقبلية وحدها المسؤولة عن الدور الخجول لمجلس الاعيان والتي بموجبها مارس غالبية الاعيان وجودهم ودورهم باعتبارهم ( مجلس متقاعدين ) مما شكّل اطاراً حديدياً ضيقاً لتحركاتهم وحصراً لأدوارهم بالمناقشة الشكلية للقوانين دون التوسع في الصلاحيات التي اجازها الدستور اصلاً ولم يحرّمها عليهم.
اليوم تقف المملكة على اعتاب مرحلة جديدة ذات تحديات جسيمة داخلية وخارجية يتمثل بعضها في حجم الدين العام واعادة بناء الحواضن الشعبية لمعيار الثقة بين السلطة التنفيذية والشعب ورأب التقصير المقصود في مكافحة الفساد وترسيخ مفهوم هيبة الدولة، فهذا الوطن يستحق المنافسة بين النواب والاعيان على خدمته والوقوف على قدر المسؤولية تجاه الشعب، تلك الحالة السلبية بكل تجلياتها لم تكن كذلك لولا استعذاب الجهات الرقابية والتشريعيةنواب وأعيان الركون الى الادوار التقليدية والباهتة في ممارستها للعمل العام وهروبها من واقع الأزمات ومقارفتها للمنصب العام على طريقة التشريف بعيداً عن التكليف.
هل ستقبل مؤسسة القرار الاردني معايشة الواقع الصعب ومحاولتها ترميم جسور الثقة بنفس الأدوات القديمة والمجالس منزوعة الدسم، هل ستبقى مجالس الترف السياسي تجاوز كلفتها المادية والسياسية مبررات وجودها وتستنزف رصيد الثقة الضروري لعبور المرحلة، هل سنقنع جمهور الشباب العريض بخطاب تقليدي مُكرر بأهمية وجودهم وتأثيرهم بالمستقبل وقيمتهم في مسيرة الوطن في وقتٍ يعاد فيه انتاج ذات الكهول والأسماء والأدوار!!.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-11-2022 03:37 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |