حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,24 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 3285

الاستشراف والنبوءة الشّعرية

الاستشراف والنبوءة الشّعرية

الاستشراف والنبوءة الشّعرية

09-11-2022 05:21 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : عبد الله طعيمات
إنَّ الشِّعر لدى الشعراء والأدباء والنّقاد اللغويين، يتعدى كونه مصفوفة من الكلمات الموزونة، أو تتابع القوافي الرنانة، بل هو لديهم أعمق من ذلك.

إنما هو الرسالة الأدبيّة الخالدة، والصّور الخيالية المرسومة بأقلام ملهمة، وقد يتعدى ذلك إلى الخيال والإلهام.

يختلفُ الخيال والإلهام من شاعرٍ إلى آخر، باختلافِ عوامل عدة: العامل النفسي، السياسي، الاجتماعي، القومي، الوجداني، المعرفي... واختلاف عوامل الشعر وغرضه عند الشعراء.

ولكنّ جميع شعراء العصر القديم والجديد، اشتركوا بصفاتٍ ثابتة مثل: إحساسهم المرهف، حسِّهم العالي، خيالهم الأخّاذ، وحدسهم العميق، ونافذة البصيرة، ونظرتهم إلى المستقبل.

والشِّعر هو الطريقة الوحيدة، ورسالة البداية والنهاية لإيصال تخيلاتهم وإلهامهم ورسائلهم وإبداعهم الأدبي.
ولا شكّ أن بعضهم تجاوز حدود ذلك، ومن منبثق هذا التجاوز ظهر المفهوم الأدبي في النّقد الّذي يسمى الاستشراف، والنبوءة الشعرية.

والمقصود بالاستشراف والنبوءة الشعرية، أي سبق الشاعر خطّ زمنه وعصره، وتوقّع أمورًا وأحداثًا مستقبلية قبل زمن وقوعها، ولا يعني هذا أنَّ الشاعر في نبوءته واستشرافه وصل إلى مرحلة النبوّة -ولن يصل- بل هذا يجسّد قدرة الشاعر الإبداعية والخيالية والإلهامية والحسِّية والإحساسية من خلال ما أمتلكه من أدواتٍ شعرية وجدانية حدسيّة مرهفة.

سبق الكثير من الشعراء والأدباء خطّ سير زمنهم لاستشراف ما سيكون في الأفق، وافتراض أحداث بناء على عدة معطيات وعوامل وجودية حسّية خيالية وإلهامية، قد تتحقق في زمن لاحق، أو ربما هذه الحالة الأدبيّة هي مجرّد أحلام وآمال الشعراء والأدباء.

استخدم شعراء العصر القديم نبوءاتهم الشّعرية والاستشرافية في قصائدهم، بل وحتّى شعراء الشعر الحر "التفعيلة"
وإن كانوا حرروا القصيدة العامودية من وزنها وقافيتها، كطفلٍ سلبوه من أمه، إلا أنهم لم يحرروا نبوءاتهم واستشرافهم من القصيدة.

لعل بدر شاكر السّياب -رائد الشعر الحر- كان أبرز الشعراء الحديثين الّذين ضمّنوا الاستشراف بقصائدهم، فإذا قرأت أنشودته المطرّية قراءة النّاقد، تجده بين طيّات القصيدة أذاب أقلامه على أوراق دواوينه الشعرية حزنًا على تنبؤ خراب بلاده ودمارها والتعاسة الّتي ستحلّ على أرضها في ما بعد.

يقول السّياب:
أكاُد أسمَعُ العراق يذْخرُ الرعود
ويخزن البروق في السهولِ والجبالْ
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطرْ
وأسمع القرى تَئِنُّ، والمهاجرين
يُصارِعون بالمجاذيف وبالقُلُوع
بلا انْتهاءٍ، كالدّمِ المُراقِ، كالجِياع
كَالحبِّ، كَالأطفالِ، كالموتَى، هوَ المطَر

والسؤال هنا، كيف كانت نفسيّة السّياب الوجدانية بتنبؤ خراب ودمار بلاده؟

وأمّا عن درويش فيقول في قصيدته لماذا تركت الحصان وحيدًا:

إلى أَين تأخُذُني يا أَبي؟
إلى جِهَةِ الريحِ يا وَلَدي
تَحَسَّسَ مفتاحَهُ مثلما يتحسَّسُ أَعضاءه، واطمأنَّ..
لماذا تركتَ الحصان وحيدًا؟
لكي يُؤْنسَ البيتَ، يا ولدي
لنعود
متى يا أَبي؟
غدًا..
ربما بعد يومين يا ابني!

وإذا نظرتَ وتعمّقتَ إلى قصائد -أمير الشعراء- أحمد شوقي تجد الاستشراف في شعره كحال أغلب الشعراء الملهمين.

يقول شوقي:
فَلتسمَعنَّ بِكلِّ أَرضٍ داعِيًا
يَدعو إِلى الكذّابِ أَو لسَجاحِ
وَلتشهدنَّ بكلِّ أرضٍ فتنةً
فيها يباعُ الدينُ بيعَ سَماحِ

فانظر وقارن واستشهد بين الزمن الّذي أنشدَ فيه شوقي هذه الأبيات، وزمننا الحالي.

إن الغد هو مرآة اليوم إذا توفّرت المعطيات وكانت الرؤية صافية وغير ضبابية، يمتلك الشعراء هذا الرؤية الصافية والنظرة الداخليّة الحسّية، ولعل نظرة القلب الحسِّية الداخليّة قد تسبق أحيانًا نظرة العين الخارجية.

ولذلك لا بد من معرفة أن الشاعر في النهاية هو مجرّد إنسان، سمح لأحاسيسه الجياشة بالسيطرة عليه، وغاص في بحر خياله، وتقيّد داخل أسوار إلهامه، ودفن تحت مشاعر وجدانيته.

يقول أرسطو في كتابه (فن الشعر):
"الشعر أقرب إلى الفلسفة من التاريخ"
وهذا قد يؤكد لنا أنَّ الشعراء هم فلاسفة أفكارهم وخيالهم واستشرافهم، وأن كل شاعرٍ في آنٍ واحد.. هو فيلسوف.








طباعة
  • المشاهدات: 3285
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
09-11-2022 05:21 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم