13-11-2022 08:27 AM
بقلم : ماهر أبو طير
قبل سنوات خرج من يحذر من موجة ثانية من الربيع العربي، بحيث تعصف بالدول العربية من جديد، وتكرر نموذج الربيع العربي في موجته الاولى التي ضربت بعنف عدة دول عربية.
لم يحدث هذا حتى الآن، حيث لم نشهد موجة ربيع عربي ثانية في دول كانت قد شهدت موجة اولى من الربيع العربي، ولم نشهد موجة في دول لم تصبها هذه الحالة، بل ان نموذجا مثل مصر قدم دلالة واضحة على ان الدعوات لمظاهرات الحادي عشر من نوفمبر لم تنجح ابدا.
موجات الربيع العربي، وان كانت تستند الى مظالم الشعوب، وتجبر الانظمة، وضياع الحقوق، الا انها لم تنجح كلها في تغيير الاحوال، بل ان استعراض تجارب مثل تونس، ليبيا، سورية، وغيرها من دول تثبت ان الحالة قبل الثورات كانت افضل جزئيا، وان لم تكن احسن بالمطلق.
برغم التراجعات في العالم العربي، هناك اسباب كثيرة، ابرزها عدم توافق اي مكونات سياسية او شعبية في اي بلد عربي على وصفة التغيير، والصراع على السلطة، وحدوث فراغ مفاجئ وعدم نشوء مركزية بديلة، وتردي الاوضاع الامنية والاقتصادية، وثبوت ان الانظمة مركزية الى درجة ان سقوط رأسها او انهيارها يفتح كل الخيارات المجهولة على شعوب كانت مقموعة، وتحترف الجدل حول كل شيء، ولا يغيب هنا العنصر الخارجي الاقليمي والدولي، وتدخله ماليا وسياسيا واعلاميا، في سير اي ثورات، او حتى في ما بعدها من نتائج، فالشعب هنا لا يقرر وحيدا، ونخبه ايضا تعيد انتاج الصراع على السلطة، وبدلا من ثنائية النظام السابق وخصومه، يصير الشعب امام ثنائية النخب الوريثة وصراعاتها. ويضاف الى ذلك شيوع الشك في الرموز والافراد والاحزاب والحركات، ودوافع كل هؤلاء، وهنا لا يبقى النظام القديم، ولا يتأسس اي نظام بديل، بل قد يصير متهما مثل النظام السابق.
هناك مشكلة في العقل العربي، ترتبط بثلاثة امور، اولها حدة الصراع على السلطة، من لون الى لون، وثانيهما الجدل الذي يولد الانقسام والرغبة بتخريب اي تجربة جديدة، اضافة الى قدرة اي طرف اقليمي او دولي على ايجاد وكلاء له في اي دولة يتولون نيابة عنه تخريب التجربة الجديدة، عبر الاعتراضات، والنتيجة سقوط النظام البديل بعد الربيع العربي، وهو النظام المفترض ان يرث الدولة، فإذ به يسقط عبر الالغام التي يتم تلغيم التجربة بها.
الانسان العربي فاشل، وغير قادر على التعامل مع التعددية وقبول نتائجها، واحترامها حقا، لأن الموروث العربي من الصحراء الى الارياف تاريخيا كان يستند الى فكرة المركزية الاجتماعية، اي الرجل الواحد، زعيم العائلة، او مختار القرية، او الجد الاكبر، الذي يقود كل هذه الآلاف خلفه، بلا نقاش او جدال، ويحكم سيطرته في النظام الاجتماعي التاريخي، دون قبول لأي تعددية او خروج على رأي الرجل الاول، أما حسابات اهل المدن، فهي مختلفة، وتخضع غالبا لحسابات المصلحة، كون المدن مناطق مستقرة واقل حدة في طبيعة سكانها، وقد تكون تجارية، أو سياحية او مطلة على البحر، بما يعنيه ذلك من انفتاح على انماط اجتماعية مغايرة لطباع اهل تلك المناطق..
العوامل التي تسببت بالربيع العربي في موجته الاولى، كانت حادة وسيئة، والمفارقة اننا نعيش في المنطقة ظرفا أسوأ دون ان يؤدي ذلك الى موجة ربيع عربي ثانية، وهذا في النهاية قد يؤدي الى استرخاء الانظمة، لكنه يوجب ايضا مراجعة كل هذه التجارب للبحث عن وسائل اصلاح وتغيير مختلفة عن الذي رأيناه، بعد ان تحولت المسيرات الى مظاهرات دموية، وسقط الابرياء، وثبت ان كل نظام له دولته العميقة التي تدافع عن بقاياه ايضا، خوفا من الحساب.
فشلت كل محاولات اقامة النظام البديل، برغم ان تجارب الربيع العربي كانت منوعة من حيث طبيعة كل دولة، وهو فشل يوجب ان نقر اليوم أن جذره العميق يمتد الى نظام المركزية الاجتماعية، الممتد عبر الاف السنين، والذي ما يزال يتخفي وراء ربطات العنق وبدلات الحرير.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-11-2022 08:27 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |