13-11-2022 09:23 AM
سرايا - صدر حديثا كتاب جديد للناقد الدكتور سهيل الفتياني، بعنوان «محمود درويش/ غواية النقد»، عن دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، وبدعم من وزارة الثقافة.
وجاء الكتاب في أربعة فصول علة النحو الآتي: الفصل الأول: إشكاليات الواقعية والالتزام. الفصل الثاني: بواعث التجربة الشعرية بين الإلهام والمهارة. الفصل الثالث: عذابات اللغة. الفصل الرابع: بنية القصيدة النثرية
وفي مقدمة الكتاب قال د. الفتياني:
«تتوفر تجربة درويش على غواية تصيب القارئ بإحساس بصعوبة القبض على بواعثها ومواطن جدتها وأصالتها نظرا لكونها تجربة مكتنزة بخصوبة الرؤية وثراء التشكل؛ فقد سعى إلى تشييد نموذج شعري يتسم بانعطافاته ووثباته الدائمة؛ وينطوي على الدينامية والصيرورة.
وقد تضافرت جملة من العوامل في تميز هذه التجربة وخصوصيتها، لعل من أبرزها شاعريته المتفردة، المستندة إلى موهبة فذة أهلته لتبوؤ مكانة إبداعية استثنائية في حركة الشعر العربي الحديث.
يضاف إلى ذلك وعيه العميق بالكتابة الإبداعية وشروطها وإشكالياتها، استنادا إلى ما يمتلكه من حس نقدي ووعي بإشكالات الكتابة يستندان إلى قاعدة معرفية وثقافية ونقدية عريضة، بفضل انفتاحه اللامحدود على منجزات النقد والإبداع، واغترافه من منابع فكرية وجمالية شتى.
وقد انعكس هذا كله، في النتيجة، على تجربته الشعرية، وتركت بصماتها الواضحة عليها، وجعل منها تجربة متجددة دائمة الانفتاح على آفاق التجريب والتحديث، وهو ما يستشفه المتلقي في ارتحاله بين مسارات هذه التجربة وتتبع انعطافاتها المختلفة، إذ لم تقف عند أفق محدد، فظلت، حتى آخر لحظة، وفية لشروطها الجمالية والفكرية المتجددة.
وعلى الرغم من هذا الاهتمام النقدي الواسع بتجربة درويش، لم تقدَّم دراسات كافية ترصد وعيه النقدي والجمالي وموقفه من قضايا الكتابة وإشكالياتها المختلفة، في كل من تنظيره النقدي وإبداعه الشعري، فجاء ما تناوله، في الجملة، نتفا متفرقة وأحكاما جزئية لم تقدم رؤية متكاملة وشاملة لهذا الوعي في تحولاته المختلفة، وظل المتلقي بعيدا عن الإلمام برؤيته وتصوره لقضايا الإبداع وأسئلته الجوهرية.
انطلاقا من ذلك، جاءت فكرة الكتاب، الذي يستهدف مقاربة وعي الكتابة ومحاورة الوعي الإبداعي والجمالي عند درويش، عبر مسارات تجربته المختلفة، من خلال دراسة جملة من القضايا الفنية التي عالجها.
وتطمح هذه المقاربة إلى استكشاف ملامح وعيه بأسئلة الكتابة الشعرية وإشكالياتها المختلفة وتحولاتها، والوقوف على علاقتها برؤيته للوجود.
وتنهض منهجية الكتاب على تتبع قضايا الكتابة وإشكالياتها عند درويش بالاعتماد على تجربته الشعرية، إلى جانب تنظيراته النقدية المبثوثة في حواراته ومقالاته وكتبه النثرية، انطلاقا من فرضية ترى التلازم بين الجانبين التنظيري والإبداعي للشاعر، وأن التجربة الشعرية تستند إلى خلفية فكرية نقدية تدفعها وتوجهها. وبهذا يتضافر الجانبان الإبداعي والتنظيري في رسم صورة متكاملة لوعيه النقدي وتصوره لإشكاليات الكتابة الشعرية وحواره مع مكوناتها.
ويطمح هذا الكتاب أن يجيب على جملة من الأسئلة من أبرزها: ما علاقة درويش بالنقد، وما أبرز سمات وعيه النقدي؟ وما تصوره لماهية الشعر ووظيفته وموقفه من قضية الالتزام؟ وما تفسيره لعملية الإبداع الشعري ولآلية تشكيله؟ وما تصوره لأهمية اللغة وصلتها بالهوية الفردية والجماعية؟ وأخيرا: ما موقفه من قصيدة النثر، وما أبرز السمات الأسلوبية لقصيدته النثرية؟».
يحتوي الكتاب على تمهيد يجلي طبيعة الوعي النقدي عند درويش، مبرزا أهم سماته ومرجعياته، ومتتبعا مساره وأبرز تحولاته وانعطافاته.
ويكشف الفصل الأول، بالرصد والتحليل، عن تصوره لماهية الشعر ووظيفته، التي تتأسس على مفهوم الالتزام بأبعاده الشاملة: القومية والإنسانية والجمالية، استنادا إلى طبيعة متحولة للواقع، مبرزا أهم إشكاليتين يواجهها الالتزام، وهما: إشكالية الجماعي والفردي، وإشكالية الأيديولوجي والفني. ويتضمن، تبعا لهما موقفه من الحداثة العربية. كما يكشف عن اتساع رؤيته للواقعية في انفتاحها على التيارات والرؤى الفكرية والجمالية المتجددة، في ضوء طبيعة وعيه الفكري والنقدي والإبداعي الذي يتسم بالسيرورة والتحول.
ويناقش الفصل الثاني تصوره لعملية الإبداع وبواعثها، وآلية تشكلها التي تجمع بين الواقعي والمثالي، كما يقف على احتفائه بدور الإيقاع في تشكيل القصيدة.
أما الفصل الثالث فيقف على وعيه للغة وأهمية تجديدها؛ بغية مواكبة المضامين الحديثة، علاوة على تحديد علاقة اللغة بالهوية الفردية والجماعية، وما تتضمنه من إشكالات وجودية تتسم بالتوتر.
خصص الفصل الرابع لدراسة قصيدة النثر لديه، مجليا موقفه النظري منها، كما تناول بناءها الفني وأبرز سماتها الأسلوبية من خلال ديوان (أثر الفراشة)، الذي تجلت فيه قصيدة النثر لديه على نحو واضح.