13-11-2022 11:06 AM
بقلم : نايف المصاروه
يروى.. أن كلبا من فرقة للدرك البريطاني كان يقف إلى جانب دركي على حاجز أمني .. وبالصدفة عبر نائب برلماني بسيارته، ولأن ذلك البرلماني يتمتع بالحصانة، ومن ذلك فإنه لا يسمح بتفتيشه.
رجال الدرك عندما تعرفوا على ذلك النائب، سمحوا له بالمرور ورفعوا الحواجز، لكن ذلك الكلب، كان له رأي آخر، فبواسطة حاسة الشم القويه التي يتمتع بها، سأقول على سبيل القول السائد أدبيا ( الكلب بشم أكثر من بعضهم) و بدأ الكلب بالنباح و حاول أن يهجم على السيارة،مما يشير إلى أن سيارة النائب البرلماني يحمل بها ممنوعات، مخدرات أو متفجرات .
أدرك عناصر الدرك أن سيارة ذلك البرلماني، تحمل بداخلها شيئا خطيرا، ولكنهم لم يستطيعوا اعتراض طريقه أو تفتيش سيارته، خوفا من المساءلة لوجود الحصانة التي يتمتع بها ..
ولكن الكلب كان مصمما... على قرع جرس الإنذار بكثرة محاولات التفلت وزيادة حدة النباح، ومع اصراره أفلت الدركي السلسة له، لينقض الكلب على السيارة و في تلك اللحظة تقدم عناصر الدرك من النائب البرلماني، و طلبوا منه السماح لهم بتفتيش السيارة، فكذب عليهم وقال لهم لا يوجد فيها شيئ ممنوع، وصاح بهم على انهم اغبياء وإلا كيف ترضخون لنباح هذا الكلب !!
وبعد سجال بين رجال الدرك والنائب تم تفتيش السيارة .. فعثروا بداخلها على كميات كبيرة من المخدرات.
فقال رئيس فرقة الدرك الموجودة على الحاجز : إن أكثر ما يؤلمني ليس لأن البرلماني كذب علينا، ولا لأنه تاجر مخدرات، ولا لأنه اساء لرجال الدرك، ولكن ما يؤلمني أنّ هذا الكلب غيور على الوطن أكثر ممن اقسم على حمايته !!
ذلك الكلب لا يعرف ماذا يعني نائب أو وزير أو مدير، و لا يعرف معنى الحصانة.
ذلك الكلب تدرب على خدمة الوطن فقط، تدرب على الوفاء لأرضه التي يعيش عليها، والوفاء لصاحبه الذي يطعمه ويسقيه ..
والمهم... الوفاء لعمله المكلف به، تلكم الخصلة التي فقدها بعض بنو البشر.
الكلب لم يقسم على حماية الوطن و لا يعرف معنى الوطن أساسا، هو فقط لاحظ الخطأ وأحس به، و رفض أن يحصل .. فهل اصبحت الكلاب تقدر المسؤولية أكثر
من بعض مسؤوليتنا، فذاك يعين من تدير له بعض صفحاته على وسائل التواصل، وذاك يعين محاسيبه هنا وهناك، وذاك لا يتقن ولا يهمه سوى.. يطلب لي ويصرف لي...وذاك اكل الأخضر والناشف.. من خلال العطاءات التي اهدرت مئات الملايين، وذاك يورد حفارات، وذاك.. وذاك... . والقصة ما أطولها...!
ينادي بعضهم بأن تقشفوا وشدوا الأحزمة، وتطفئ إنارة بعض الطرق ليلا،وتتلاشى بعض الأدوية من المستشفيات ، وغير ذلك كثير بحجة تخفيف الهدر المالي.
ولكن... أذا ببعض من يطالبون بشد الأحزمة على البطون، وتحت جنح غياب الظمير وضعف تطبيق إجراءات الرقابة او غيابها وربما تغييبها... ، يسرقون وينهبون ويختلسون ما اقسموا بالحفاظ عليه.
اقول.. ذلك وانا أتألم.. واسأل كيف سمحت أجهزة الرقابة بكل مسمياتها، لذلك المسؤول في تلك الشركة المساهمة ومن معه من لصوص المال العام ، بأن يختلسوا "600" مليون دينار؟
أم أن بعض حاميها حراميها ؟
نفسي اعرف.. كيف تمكن أولئك اللصوص من اختلاس ذلك المبلغ الكبير... !
والسؤال الذي يتكرر.... أين كانت.. وما هو دور أجهزة الرقابة المالية على صرف المال العام، التي تدقق وتوقف أوامر الصرف المالي، على بعض المعاملات لأنه ينقصها (بضعة دنانير طوابع واردات).
وفي ذات الوقت.. تغفل.. او ربما تسمح لذلك المسؤول ومن معه ان يختلسوا ويتلاعبوا بهدر مئات الملايين من مال العام؛
بالمناسبة.. الإعلان بالحكم على ذلك المسؤول ومن اشترك معه في تلك القضية ، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فتقارير ديوان المحاسبة السنوية مليئة إلى حد التخمة وبمئات المخالفات وجرائم الاعتداء على المال العام.
ختاما.... اذا أردنا التخفيف من تلك القضايا والجرائم المالية، اقول.... التخفيف وليس القضاء عليها بالكلية، فعلى كل مسؤول و صاحب قرار، ان يعلم يقينا، ان الخلل... لا يزال في آلية وإنتقاء وتعيين بعض من يقع عليهم الإختيار ، ليشغلوا الوظيفة العامة، وإن ذلك الخلل عشعش حتى أصبح غولا له أنياب، وتنينا يشعل نارا!!
ووطن يئن تحت وطأت إرتفاع الدين العام بشقيه الخارجي والداخلي، وتكرار واضح في عجز الموازنة العامة بات يتكرر سنويا، ولا نزال نستدين ونحصل على المنح والقروض.. وبعضهم.. بعضهم يسرقونها .
والعلاج.. لمن أراد ذلك يسير..
اولا... بتغيير النهج في التعيين والتوظيف، والكف عن التنفيع والترقيع...واللبيب من الإشارة يفهم، ويجب أن لا يولى الشأن العام، إلا الامناء والمخلصين.
وثانيا.. تفعيل آليات الرقابة المالية وتحديثها، واستمرار التفتيش المفاجئ وبشكل يومي او أسبوعي على الاقل، وعدم المجاملة في قضايا الاعتداء على المال العام مهما كان الجرم، فمن يتجرأ على سرقة البيضة، سيسهل عليه أن يسرق الدجاجة، إذا لم تبتر يده!
وثالثا.. وهو المهم... ضرورة إعادة النظر بقانون العقوبات ، وتغليظ عقوبة الإعتداء على المال العام لتصبح الإعدام، مع التأكيد على استعادة كل دينار من الأموال العامة المنهوبة.
يا سادتنا وكبراءنا ومنظرينا...كيف يستقيم الظل إذا كان العود أعوج؟
الأمانة ليست تطبيلا وتزميرا ورفع شعارات فقط ، وليست ان يقسم بعضهم بأن يحافظ عليها، وأن يقوم بالواجبات الموكولة إليه بكل أمانة وإخلاص!
ولكن الأمانة، أن تعطى لمن هو كفؤ وأمين ليصونها ويحافظ عليها من الهلاك والضياع، وان يراقب الله ويخافه في عمله وكل ما أتمن عليه.
من علامات زوال الدنيا، ضياع او تضييع الأمانة، وإن من إمارات او علامات ذلك، أن يوسد الأمر إلى غير أهله.
فإذا ضيعت الأمانة فانتظروا قيام الساعة.
الله يجيرنا من تاليها.
كاتب وباحث أردني.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-11-2022 11:06 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |