بقلم : الدكتور عبدالله عامر البركات
‎قلت في مقال سابق تعليقاً على قول سيدنا ابراهيم ( رب أرني كيف تحيي الموتى) ان مراد ابراهيم عليه السلام ان ينقل عقيدته المجردة في قدرة الله على إحياء الموتى الى تصور ذلك . وبذلك تزداد قدرته على تحمل الصعاب والابتلاءات ومقارعة الظلمة بل والاذعان لرؤيته انه يذبح ابنه .

‎ويمكن ان يكون الموضوع اكثر فائدة وأشمل في التنظير بالقول باننا بقدر ما نضيف الى العقائد من تصورات تناسبها بقدر ما تترسخ هذه العقائد وتصبح جزءً لا يتجزأ من كياناتنا. ان الفرق بين مؤمن وآخر هو ليس في الاعتقاد بل في التصور. ولعل ذلك هو معنى ان الايمان يزيد وينقص. يزيد بالتصور وينقص بالجريد. لنأخذ على ذلك مثلا لا يمكن الجدال فيه. انه الموت. فهذه الحقيقة التي لا يشك فيها أحد يختلف الناس في التعامل معها باختلاف تصوراتهم عنها. فكل انسان يعتقد جازماً بأنه سيموت ولكنه في الاغلب اعتقاد مجرد رياضي عقلاني لا يعززه اي تصورات. فتجد كثير من المسلمين مثلاً يصلون ويصومون ويحجون ويزكون ولكنهم لا يتجاوزون ذلك الى اكثر من الحد الادنى من هذه الاركان.

بينما تجد قلة اخرين من المسلمين ينذرون كل حياتهم لله كما في توجيه الله تعالى سيدنا ابراهيم (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)
‎ فهم على استعداد بالتضحية بالغالي والنفيس من اجل عقيدته. ولكن ما هو هذا التصور الذي يفعل كل هذا الفرق؟
‎كلمة التصور مأخوذة من الصورة. والصورة هي مادة لحاسة البصر. وبالصبر ندرك اللون والشكل ونفترض الحجم ونقدر الوزن ونستعين بذلك على ما فاتنا من معلمومات حسية اخرى كاللامس والشم والذوق والسمع. ان كلمة التصور رغم فائدتها النوعية وإخراجنا من صقيع التجريد الا انها قاصرة عن استيعاب الموارد الاخرى من بقية الحواس. فتأمل مدى عظمة الايمان المدعوم بحواس البصر والسمع واللمس والشم والذوق. هذا ما استفادة سيدنا ابراهيم من رؤية الطيور الاربعة وهي تأتي سراعاً اذ دعاها.

‎اذا تم دعم الايمان بالتصور يندر ان يحدث بعد ذلك كفر. كما في حالة ابليس. ولذلك عندما طلب الحواريون من سيدنا عيسى انزال المائدة ودعا ربه ان ينزلها عليهم قال الله تعالى ( إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين) كيف لا وقد اكتملت اركان الادراك نظريا وعمليا.

‎من اجل ذلك امتلأت ايات القران الكريم بالتصوير. (انظر التصوير الفني في القران الكريم) لسيد قطب.

‎إن قراءة القران الكريم تعزز الايمان بما ترسمه من صور بليغة بل صادمة لمواقف يوم القيامة. وإن هجر القران يقسي القلب لما يحرمه من تصوير بديع للجنة كما في سورة الدهر وسور وايات اخرى او مريع للنار كما في سور وايات كثيرة في عامة القران الكريم