17-11-2022 10:51 AM
بقلم : م. أنس معابرة
الذرة هي المكون الأساسيّ للمواد من حولنا، ولكنها صغيرة بحيث لا تُرى بالعين المُجرة، بل نحتاج الى ملايين الذرات لكي نتمكن من رؤيتها أو حتى لمسها.
ولكن إذا تجمّعت مجموعة الذرات مع بعضها البعض؛ فمن الممكن أن تتخذ شكلاً معيّناً، فالعامل المشترك بين أكبر بناية في العالم، وأفخم سيارة أو سفينة، وأكبر دولة، وأجمل حديقة؛ بأنها كُلها عبارة عن مجموعة من الذرات، على إختلاف أعدادها أو أنواعها.
من هنا جاءت الفكرة للكاتب جيمس كلير، مؤلف كتاب "العادات الذرية"، والذي يدعو فيه الى تكوين عادات جيدة، والإبتعاد عن العادات السيئة من خلال مبدأ بسيط وهو "تغيير صغير نحو تأثير كبير".
من الصعب تعلم اللغة الصينية، وقد تجد أن هذا الهدف مستحيلاً، ولكن لو قضيت في تعلّمها ساعة واحدة يومياً؛ ستجد نفسك خلال عام واحد فقط قد أصبحت تُجيدها بطلاقة. وبالمثل؛ لن تتمكن من رفع خمسين كيلوغراماً في تمرين الصدر في أول يوم في النادي الرياضي، ولكن بعد عدة أشهر من التمرين ستبدأ تمرينك بخمسين كيلوجراماً ثم تبدأ بالزيادة.
حرصتُ خلال فترة من حياتي على زيارة النادي الرياضي يومياً خلال فترة الشتاء، وكنت أتدرب بجهد كبير، إلا أنني لم الاحظ تغييراً في جسدي، وقررت التوقف عدة مرات، ولكن تكلفة الإشتراك أجبرتني على المضي قُدُماً حتى نهاية مدته. إنتهى فصل الشتاء، وحين بدأت بإرتداء ملابسي الصيفية، وجدتها قد أصبحت ضيقة من منطقة الصدر أو في أعلى الذراعين، وعندها بدأت أدرك حجم العضلات التي إكتسبتها خلال الشتاء.
تعطلتْ سيارة أحدهم وبدأ في تحريكها من الشارع، ولكنها لم تتحرك، حاول شخص أن يساعده، ولكنها لم تتحرك أيضاً، بدأ عدد الأشخاص بالإزدياد، ثلاثة، أربعة، خمسة، ثم بدأت السيارة بالحركة، فهل هذا يعني أن الشخص الخامس هو الذي قام بتحريك السيارة؟ مطلقاً؛ لقد أسهم الجميع بتحريكها، ولكن النتائج ظهرت بعد فترة من بداية العمل.
مشكلتنا في إكتساب العادات الحسنة، أو تغيير العادات السلبية هو أننا نراقب النتائج ولا نركز على الآلية التي نعمل بها، فنحن نريد أن نتعلم اللغة الصينية في أسبوع، ونريد أن تظهر العضلات بعد أول يوم في الصالة الرياضية، ونريد أن تبدأ الأرباح بالنمو بعد أو جولة في التداول، ولكن هذا كله مستحيل.
أنت بحاجة الى إستحداث آلية طويلة المدى، والتركيز على تحقيق تلك الآلية، ثم إنتظار النتائج، فمن الممكن أن تذهب الى الصالة الرياضية لأنك تريد إكتساب جسد رياضيّ وذلك يتطلب منك المداومة على زيارة الصالة الرياضة طوال العام، دون الحاجة الى مراقبة العضلات، أو التوقف عن التمارين في حال الوصول الى الشكل المرغوب، وأنت بدأت بالتداول والإستثمار من أجل مرحلة ما بعد التقاعد، وعدم تدفق الأرباح مباشرة قد يدفعك للتوقف، ولكن ذلك لن يحقق لك الأرباح، بل من المؤكد أنه سيحرمك من المال عند الحاجة اليه بعد التقاعد.
عندما كنت أقرأ السير الذاتية لبعض الكتّاب والمؤلفين، وجدت العديد منهم كان يقرأ مئات الصفحات يومياً، وكنت أعتقد أن ذلك ضرباً من الجنون، ولكن من خلال أسلوب الذرة بدأت بقراءة خمس صفحات يومياً، أصبحت عشرة لاحقاً، ثم عشرون، وثلاثون، واليوم قد أصبحت مئة، دون أن أشعر بكمية الجهد الذي أبذله خلال القراءة.
وهو الأسلوب ذاته الذي يمكننا إعتماده في قراءة القرآن، فلو قرأت كل يوم صفحتان؛ فستحتاج الى عشرة أشهر لختمه، وإذا جعلتها عشر صفحات؛ فتحتاج الى شهرين فقط، ولو رفعتها الى عشرين صفحة يومياً، فبإمكانك ختم المصحف الشريف شهرياً.
خلاصة القول:
للوصول الى عادات حسنة دائمة، ابدأ بعادة صغيرة جداً لا تحتاج الى تحفيز، ثم قم بالزيادة الصغيرة تدريجياً ولا تتسرع في تلك الزيادة، ولا تنسى أن الصبر يعد من أهم مفاتيح تكوين العادات. ومن المهم أن تتجنب المبالغة في التوقعات، حتى لا تتعرض الى خيبة الأمل، وتتوقف وأنت قريب جداً من النجاح.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-11-2022 10:51 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |