بقلم : د. علا خالد الزواتي
اعتاد المجتمع الأردني على إطلاق الخطط والأجندات والاستراتيجيات الهادفة إلى إصلاح الإدارة العامة، إلا أننا نجده يراهن أن تنفيذ الكثير منها لن يرى النور إن لم تجد متابعة لمدى تنفيذها وتقييماً لنتائجها وأثارها. وذلك ليس حكراً على مجتمعنا فحسب. فمن المعروف أن وضع الخطط بشكل عام يحتاج إلى جهود كبيرة، إلا أنها تفشل لعدم حوكمتها ومتابعة أدائها وفقاً لإطار مؤسسي ثابت مرتبط بمتخذ القرار. وقد أشار أحد التقارير الصادرة عن منظمة سيجما SIGMA (2018) بناء على تجارب عدد من الدول التي نفذت خطط الاصلاح في الإدارة العامة، أن العوامل الرئيسية لنجاح أي خطط للإصلاح مرتبط بقيادة فاعلة ومنهجيات عمل سلسلة ومرنة وأدوات للمتابعة والتقييم للمساءلة ومتابعة الانجاز. الأمر الذي يتطلب تحديد آلية للمتابعة والتقييم بالتزامن مع اطلاق الخطة نفسها وتحديد الكيان المسؤول عن توجيه وتنسيق ومراقبة تطبيق المبادرات المحددة على هذه الخطط ومدى تحقيقها للنتائج المرجوة منها والمساءلة حول نتائجها وتسهيل أي عوائق لتنفيذها ناهيك عن إعطائها الأولوية اللازمة من حيث الموارد البشرية أو المالية أو التقنية الضرورية لتنفيذها.
وبالنظر إلى ما التزمت به الحكومة الحالية من ثلاث أولويات رئيسة للإصلاح، تتمثل بالإصلاح السياسي، والإصلاح الإداري، والإصلاح الاقتصادي، فقد أنجزت لكل أولوية، خارطة طريق شاملة ومبادرات مهمة هدفها تحقيق رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم -حفظه الله ورعاه بضرورة الارتقاء بجودة الحياة ومستوى جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. وبالتركيز على خارطة تطوير القطاع العام، فقد هدفت إلى تحسين كفاءة الإدارة العامة ومعالجة الإجراءات البيروقراطية ضمن أطر تشريعية ناظمة للإدارة العامة، وبنهج يواكب أحدث التطورات العالمية والممارسات الفضلى.

وقد أنجزت الحكومة في هذه الخارطة مبادرات مهمة ورئيسية ضمن البرنامج التنفيذي للأعوام الخمس القادمة (2022-2026) تحتاج إلى الكثير من الجهد والموارد اللازمة لتنفيذها. ونجحت في تحديد آلية للمتابعة والتقييم تتمثل بتكليف لجنة وزارية عليا تشرف على تنفيذها وتقييم أداء البرنامج، والإشراف على تطوير أيّ برامج تنفيذية لاحقة لها. كما التزمت بإنشاء وحدة مختصة لإدارة وتنفيذ برنامج تحديث القطاع العام والتحول الرقمي PMIO في رئاسة الوزراء، تكون معنية بإدارة البرنامج وحوكمة تنفيذه. فنجاح عمل هذه الوحدة هو وجودها ضمن الهيكل التنظيمي لرئاسة الوزراء لتكون مرتبطة بمتخذ القرار مما يحقق لها استمرارية العمل عبر الحكومات. كما تأتي أهمية هذه الوحدة بقدرتها على القيام بإدارة المبادرات المحددة على الخارطة والرقابة على تنفيذها وفقاً لأهم مبدأ في الإدارة العامة أو ما يعرف بحلقة ديمنج Deming cycle، أو Plan- Do- Check- Act. بدءا من تحويل خارطة الطريق إلى خطط عمل تفصيلية لكافة المبادرات وتحديد الجهات الحكومية المسؤولة والمساءلة عن تنفيذها وتقييم ومتابعة مدى التنفيذ وفقاً لمؤشرات أداء رئيسية متفق عليها والتنسيق لتوفير الموازنات والموارد اللازمة لتنفيذها.

إن مراقبة أداء خطة اصلاح القطاع العام ليست بالمهمة السهلة وتواجه العديد من التحديات منها عدم توفير الصلاحيات اللازمة التي تمكنها من المساءلة والتحليل والمراقبة وأحياناً للمصارحة والشفافية لضمان حسن التنفيذ أو أن تتراجع أهمية متابعة تنفيذ الخطة أمام الأولويات الأخرى التي تطرأ على أجندة الحكومة أو أن يتم إقحامها في أعمال تنفيذية أخرى خارج دورها، والتي يمكن أن توكل إلى جهات حكومية اخرى. كما يمكن أن تواجه عوائق اخرى منها عدم التواصل مع المعنيين وبشكل مستمر للتعرف أو التعريف بأدوات تطبيق المبادرات أو المشاكل التي تواجهها أو وجود تضارب في المهام أو الإزدواجية في توفير التمويل أو عدم التجاوب السريع من قبل الجهات الحكومية المسؤولة عن المبادرات مع الوحدة لتوفير البيانات والمعلومات اللازمة عن مدى الانجاز، أو عدم إيلاء التقارير التي ستصدر عن هذه الوحدة الأهمية اللازمة في كيفية تصميمها أو إعدادها أو تحديد محتوياتها بشكل يبين للمهتمين أين تقف المبادرة في فترة زمنية معنية بالنسبة لأهدافها وغاياتها وما هي أشكال الدعم المطلوب لتنفيذها لاتخاذ القرار بشأنها.

وقد شدد جلالة الملك حفظه الله على أهمية الالتزام بتنفيذ الإصلاحات وفقاً لخارطة الطريق وتحديد النتائج المرجوة منها وضرورة أن تقوم الحكومة بشرح أهداف الخارطة للمواطنين ليكونوا شركاء في التنفيذ، ولذلك، سيكون على هذه الوحدة ضمان الإدارة المتكاملة لمبادرات خارطة الطريق. فهي على الرغم من أنها مقسمة على سبع مكونات، إلا ان هناك عوامل مشتركة بينها، منها أن معظم المبادرات تشترك أكثر من جهة في تنفيذها وتحتاج إلى تحول رقمي وأتمتة لضمان فعاليتها وأن الكثير منها جديد يحتاج إلى شرح وتوضيح وموارد مالية ومعرفة بتفاصيل تنفيذها. وبالتالي، فإن ضمان شمولية إدارة المبادرات وعدم الفصل بينها وتحديد التكاليف اللازمة لكل مبادرة والبحث عن مصادر لتمويلها بالتنسيق مع المانحين أو الجهات الحكومية ذات العلاقة من المهام الرئيسية الأساسية لهذه الوحدة. كما أن تحديد المالك الرئيسي لكل مبادرة من 206 مبادرات المحددة على الخارطة والشركاء الرئيسيين لتنفيذها وتحديد الأهداف والنتائج النهائية المرجوة على مستوى المحور أولا (أي تأثيره الأوسع على الاقتصاد) ومؤشرات الأداء على مستوى المبادرة ثانياً ومقارنتها بين النتائج المحققة لمبادرات الخارطة ككل يعطي تقارير الأداء بعداً أكبر لتقييم أثر المبادرات وخارطة الاصلاح ككل على المجتمع الاردني. سيهتم بالتقارير الصادرة عن هذه الوحدة الكثير من الجهات الداخلية من الجهات الحكومية نفسها والخارجية من المانحين والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية. وعليه، من المهم أن تراعي الوحدة أهمية البيانات ودقتها وبالتالي العمل على تحديد البيانات المطلوبة وآليات تجميعها والمسؤول عنها وكيفية توفيرها وتحليلها منذ البداية وبشكل مسبق مع الجهات المكلفة بالتطبيق. كما يجب أن يتوفر في الوحدة مهارات التحليل والتفكير الإبداعي واستخلاص النتائج لإعداد تقارير واضحة دقيقة تتصف بالشمولية والوضوح وسهولة الاستخدام وتصدر بشكل متزامن مع إعداد الموازنة للعمل على تغطية تكاليف تطبيقها ما أمكن.

إن مراقبة وتقييم تطبيق خارطة طريق القطاع العام مهم ورئيسي كونها تعطي صورة عن مدى الانجاز المحقق فيها ولكل محور لكافة المعنيين بالادارة العامة داخلياً وخارجياً وأداة للمساءلة. كما أنها تعكس مدى نجاح الحكومة في تحقيق الالتزامات والوعود التي قطعتها على نفسها وعكستها في طموحات مستقبلية ومبادرات رئيسية تتطلع لها كافة الجهات منها الداعمة والمؤمنة بقدرتها على تحقيق الإصلاح المنشود ومنها المشككة في نجاحها والتي لن تلبث أن تتلاشى مع الإعلان عن النجاحات المحققة.