27-11-2022 08:54 AM
بقلم : د. عدلي قندح
نشرت وزارة المالية بلاغاً جميلاً لإعداد مشروع قانون الموازنة العامة ومشروع نظام تشكيلات الوزارات والدوائر والوحدات الحكومية للسنة المالية 2023. وقد استندت الوزارة في إعداد تقديراتها إلى مجموعة من التوجهات من أبرزها؛ عدم فرض أي ضرائب جديدة أو زيادة الضرائب الحالية، وتعزيز الإنفاق الرأسمالي لتحريك عجلة التنمية الاقتصادية، وزيادة النمو الاقتصادي بما ينعكس إيجاباً على معدلات التشغيل، والالتزام بتنفيذ متطلبات تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي (2022–2033) وما تضمنته من مبادرات وخطط وبرامج.
كما شملت الالتزام بتنفيذ متطلبات خارطة طريق تحديث القطاع العام (2022–2033) وما تضمنته من خطط وبرامج، والاستمرار في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الأردني بما يضمن حفز النمو الاقتصادي وتعزيز مرونة الاقتصاد الوطني وتحسين تنافسيته، وتسريع عملية التحول الرقمي، والاستمرار في تعزيز وتطوير شبكة الأمان الاجتماعي. كل ما ذكر في البلاغ أعلاه كلام جميل، لكن الى ماذا استند؟
ما استند اليه البلاغ كان توقعات اقتصادیة متواضعة جداً وأهمها توقع أن ینمو الناتج المحلي الإجمالي بالأســعار الثابتة بنســبة 2.7% عام 2023 وتوقع نمو الصـــادرات الوطنیة بنســـبة 1.7% فقط، وهذه تعطي اشارات مهمة الى أن موازنة عام 2023 ستكون قريبة جداً في هيكلها الاساسي من موازنة العام الحالي 2022.
نمو الناتج المحلي الاجمالي بهذه النسبة سيحقق ايرادات ضريبية لن تكون كافية لتغطية مجمل النفقات الجارية والرأسمالية، من رواتب واجور وتقاعدات وفوائد المديونية الداخلية والخارجية ونفقات المشروعات الرأسمالية. واذا ما غطت الإيرادات المحلية، من مختلف أنواع الضرائب والرسوم وغيرها، 90% من النفقات الجارية، فان هذا يعني أن الحكومة ستكون مجبرة على اللجوء الى الاقتراض الداخلي والخارجي بمبالغ ستكون قريبة من مبلغ 8 مليارات دينار حتى تغطي 10% على الاقل من النفقات الجارية وكامل النفقات الرأسمالية التي لن يتجاوز رقمها مبلغ ?ليار ونصف المليار على ابعد حد، بالاضافة الى اطفاء أو اعادة جدولة ديون مستحقة عام 2023. وهذا يعني أن عجزا كبيرا بمقدار مليارين ونصف المليار دينار متوقع أن يظهر في مشروع موازنة عام 2023.
الاقتراض يعني اضافة مبالغ جديدة للمديونية التي وصلت أرقامها الاجمالية الى مستويات قياسية ستتجاوز نسبتها الى الناتج المحلي الاجمالي حد 110%.
إشارة البلاغ الى تعزيز مبدأ الاعتماد على الذات انحصر في جانب المالية العامة، وكان الاجدى أن يتم ربطه بالأمن الغذائي وأمن الطاقة وأمن المياه والأمن التقني. ومن الواضح أن مبدأ الاعتماد على الذات في جانب المالية العامة سيتضارب مع مبدأ تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، لأن التنافسية تتطلب تخفيض الكلف على المنتجات والصناعات الوطنية مما يعني تخفيض معدلات الكلف الحالية من ضرائب ورسوم وطاقة ومياه وغيرها، وهذا أمر مستبعد.
ولا شك أن ملف الاستثمار من أهم الملفات التي يجب العمل عليها لأن جذب الاستثمارات خاصة في المشاريع الاستراتيجية الكبرى سيؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي حقيقي ومستدام. ولكن توقعات النمو المتواضعة تشير الى أن ما يتوقع جلبه من استثمارات عربية وأجنبية سيكون متواضعاً.
باعتقادي أن البنية التحتية بكافة اشكالها وخاصة تلك المتعلقة بالطاقة والمياه والنقل، وبالتركيز فيها على فاقد المياه وفاقد الكهرباء، بحاجة لاستثمارات ضخمة لما لها من انعكاسات كبيرة على باقي القطاعات الاقتصادية.
المعضلة الكبيرة أن توقعات نمو الناتج المحلي الاجمالي تشمل مساهمات القطاعين العام والخاص في الاقتصاد. والتساؤل الرئيسي هو: هل فعلاً تم التشاور مع القطاع الخاص للاطلاع على القيمة المضافة المتوقعة منه عام 2023 للتوصل الى هذه النسب من النمو في الناتج، أم هي توقعات تم بحثها والتوافق عليها مع بعثة صندوق النقد الدولي في زيارتها الأخيرة للأردن لاجراء مراجعتها الخامسة لبرنامج التصحيح الاقتصادي؟! اذا توافق رأي القطاع الخاص مع هذه المستويات من النمو فيجب الا نتوقع انخفاضا في معدلات البطالة والفقر طوال العام المقبل.
في ظل مثل هذه التوقعات والافتراضات، فانني وبكل أسف، ما أزال أعتقد أن الاقتصاد الكلي لا يسير على المسار الصحيح، وهناك انحرافات كبيرة عن السكة الصحيحة، ففرضيات وتوقعات بلاغ مشروع موازنة عام 2023 تشير الى عدم الاستغلال الأمثل لمحركات النمو الاقتصادي وعوامل الانتاج والأهم للقوى البشرية الاردنية المتميزة، وأن إيقاع معدلات النمو والتنمية المستدامة يسير ببطء شديد.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-11-2022 08:54 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |