30-11-2022 08:57 AM
سرايا - يلقي كتاب «تاريخ الأردن في العصر العثماني» للباحثين جورج طريف ود.زهير غنايم، الضوء على تاريخ الأردن في العصر العثماني خلال الفترة الممتدة بين عامي 1516 و1830.
جاء الكتاب الصادر ضمن سلسلة «فكر ومعرفة» عن وزارة الثقافة (2022)، في مقدمة حول جغرافية الأردن وتضاريسه، ونظرة في المصادر والمراجع الخاصة بالمعلومات التاريخية عن تلك الفترة، وخمسة فصول هي: «تاريخ الأردن في أواخر العصر المملوكي (القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي)، و«الأردن في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي»، و«السكان في الأردن في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي»، و«الأوضاع الاقتصادية في الأردن في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي»، و«الأردن خلال القرن الحادي عشر الهجري/ الساب? عشر الميلادي». وقائمة بالمصادر والمراجع وخاتمة.
يشير الباحثان في كتابهما إلى ندرة المعلومات في المصادر التاريخية التي تتناول تاريخ الأردن في تلك الفترة، ويرجع ذلك كما يوضحان، إلى عدم وجود مؤرخين محليين دوّنوا الأحداث التي شهدتها البلاد؛ مما أوجب الإفادة مما كتبه المؤرخون في القاهرة ودمشق الذين دوّنوا بعض الأحداث التي شهدها شرق الأردن، وإن كان اهتمامهم منصبّاً على أخبار القبائل وقافلتي الحج الشامي والمصري اللتين كانتا تعبران البلاد إلى الحجاز، كما أوجب الإفادة من دفاتر الطابو العثمانية الخاصة بشرق الأردن، وتحديداً تلك الخاصة بلواء عجلون، والتي توفر معلوم?ت مهمة عن الأوضاع الإدارية والاقتصادية وعن السكان وأعدادهم، لا سيما في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي.
ويرى الباحثان أن تاريخ الأردن في فترة الدراسة تأثر بالعوامل الطبيعية والمناخية بشكل كبير، فموقع البلاد الجغرافي بين شبه الجزيرة العربية جنوباً وسورية شمالا جعلها ممراً للقبائل البدوية التي كانت تنتقل من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام، وقد ساهمت هذه القبائل إلى حد كبير في الأحداث التي شهدتها البلاد وأثرت على السكان وأوضاعهم الاقتصادية فيها، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعداه إلى الآثار التي ترتبت على قيام ولاة دمشق بالعديد من الحملات العسكرية ضد تلك القبائل، لوضع حد لهجماتها على قافلتي الحج الشامي والمصر?، وخاصة تلك الحملات التي أدت إلى مقتل بعض شيوخها والعديد من أفرادها، إضافة إلى ما صاحبها من تخريب وتدمير للقرى الزراعية وتأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية للسكان، رغم أنها، بحسب الكتاب، لم تؤدِّ إلى النتاج التي كان هؤلاء الولاة ينشدونها، لكنها أذكت روح الانتقام من الدولة وعساكرها، مما أدى إلى مواصلة القبائل لهجماتها على قوافل الحج من فترة إلى أخرى.
ويشير الباحثان إلى أن موقع الأردن هذا جعل منه ممراً لقافلتي الحج الشامي والمصري، إذ ارتبط تاريخه في هذه الفترة بالأحداث التي تعرضت لها القافلتان، فقد اتخذت القبائل المقيمة في المنطقة من مهاجمة القافلتين وسيلة لكسب الأموال ولإجبار الدولة أو أمراء القافلتين على دفع الأموال لها سنوياً لها.
وعلاوة على ما تقدم، يوضح الباحثان الظروف المناخية التي أثرت على البلاد، وبشكل خاص على الأوضاع الاقتصادية، لا سيما الزراعية منها، إذ إن الأمطار تسقط في فصل الشتاء بشكل متفاوت ومتباين من سنة إلى سنة ومن مطقة إلى أخرى، فمعدل سقوطها على المناطق الشمالية أكثر منه على المناطق الجنوبية؛ مما يؤثر على الإنتاج الزراعي، فيزداد في السنوات المطيرة، ويقل في السنوات التي يقل فيها سقوط المطر، وقد أثر ذلك على نمط الحياة البدوية في المناطق الشرقية والجنوبية، حيث تنتشر القبائل التي تعتمد على رعي الماشية، وتنتقل من منطقة إلى ?خرى بحثا عن الماء والمراعي.
ويحلل الباحثان ما يتعلق بنظامي التيمار (الإقطاع العسكري) والضرائب، ويناقشان تأثيرهما في تدهور الأوضاع الاقتصادية لا سيما الزراعة، حيث كانت الدولة تحصل على حصة من المحاصيل الزراعية عن طريق التخمين، وتقوم بجبايتها عن طريق المقاطعة، مما أدى إلى زيادة حصة الدولة من الرسوم والضرائب بشكل كبير، وبالتالي زيادة الأعباء المالية على الفلاحين، مما كان يدفعهم في أحيان كثيرة إلى رفض دفع الضرائب والرسوم المطلوبة، وإلى التمرد على الدولة التي اعتادت على إرسال الحملات العسكرية للقضاء على حركات التمرد والاحتجاج، وكان يتخللها?قتل السكان وتخريب أراضيهم وقراهم.
لقد ساهمت القبائل البدوية المنتشرة في البلاد بشكل واضح في الأحداث التي شهدتها البلاد، كما يورد الكتاب، لأن طبيعة هذه القبائل وتنقلها من منطقة إلى أخرى ومهاجمتها للقرى وقوافل الحج جعلها مع صدام شبه دائم مع ولاة دمشق الذين كانوا يشنون الحملات العسكرية ضد هذه القبائل، ولما كانت حملات الولاة تترافق مع قتل بعض شيوخ القبائل وأفرادها ومع الاستيلاء على مواشيها فإن ذلك وضعها في حالة صدام شبه مستمرة مع الدولة وولاتها في دمشق.
ويذكر الباحثان في كتابهما كيفية تأثر الأردن في تلك الفترة بهجرة القبائل البدوية من شبه الجزيرة العربية، خاصة بهجرة قبيلتي بني لام وبني صخر، فقد شاركت هاتان القبيلتان في الأحداث التي شهدتها البلاد، لا سيما ما يتعلق منها بقافلة الحج الشامي، ومن ناحية أخرى، دخلت القبيلتان في صراعات وخلافات مع القوى المحلية، مما ساهم في إضعافها والحد من دورها في الحياة العامة وفي المنطقة، وبرز ذلك بشكل كبير في قبيلة بني لام التي دخل شيوخها في تنافس على زعامتها وتحالفوا مع القوى الأخرى ضد بعضهم بعضاً.
كذلك، وبحسب الباحثين، تأثرت البلاد بالصراع القيسي اليمني الذي شاركت فيه مختلف فئات السكان من الفلاحين والقبائل البدوية، وشارك فيه ولادة دمشق، حيث أن وصول أي من الولاة إلى دمشق كان يترتب عليه تعيين المنتمين لصفه، وعزل المعارضين، ما أدى إلى الصدام بين الطرفين، ومقتل أعداد من الجانبين.
ويؤكد الباحثان أن الأوضاع المختلفة في الأردن تأثرت بسياسة الولاة العثمانيين في دمشق، الذين لم يستطيعوا فهم طبيعة حياة تلك القبائل المنتشرة في أرجاء واسعة من البلاد، ورأوا أن استخدام القوة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة لإخضاعها وفرض سيطرة الدولة عليها، لذلك لم يتوانوا عن شن الحملات العسكرية المتوالية ضدها، بل قتلوا بعض شيوخها واعتقلوا آخرين، واستولوا على أموالها بالقوة، ما دفع تلك القبائل إلى الانتقام كلما سنحت لها الفرصة بذلك.