حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,27 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 3440

الفلسفة بعد سُباتها تؤوب بثوب الوهن والاستحياء

الفلسفة بعد سُباتها تؤوب بثوب الوهن والاستحياء

الفلسفة بعد سُباتها تؤوب بثوب الوهن والاستحياء

01-12-2022 01:46 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور عماد نعامنة
بعيدًا عن الخوض في مسألة لزوم عودة تدريس الفلسفة من عدمه، فإنّ الناظر إلى تباشير ما حملته وزارة التربية والتعليم من عودة تدريس الفلسفة مفاهيمَ ومحاور أو مادّة مستقلة بدءًا من العام الدراسيّ القادم 2023/2024م يلحظ أنّ عودتها يخيّم عليه الوهن والاستحياء، وكأنهّا تطلّ علينا وهي تتوارى من وراء حجاب.
وإنّه لممّا يتماشى ومقدمات المنطق ونتائجه أنْ يصبح من المخشيّ عليه ومنه أنّ
يجرّ ذانك الوهن والاستحياء عليها نكوصًا وارتكاسًا من جديد ما قد لا يمكنّها من
التقاط أنفاسها ثانيةً، ولا سيّما في ضوء مسيرتها وسيرورتها منذ أنْ قرّرَ تدريسها أردنيًّا
في ستينات القرن الماضي، حتّى حجبتها غيوم الغمام المكفهر أواسط سبعينات القرن
نفسه، حيث أُلْغي تدريسها عام ألف وتسعمئة وستّة وسبعين، فمكثتْ تحت دثارها ما
يزيد على عقد ونيف من الزمان، حتى نهضت من رقادها عام ألف وتسعمئة واثنين وتسعين للميلاد، ولكنه نهوض مشوب
بتعثُّر وتكدُّر، إذْ بدأت بكتاب للفلسفة (المنطق) مستقلّ، ثمّ ما لبثت تغوص في وحل الغياب قدماها شيئًا فشيئًا حين اُختُزِل ذلك الكتاب المستقلّ في صفحات معدودات لا تتعدّى غمار وحدتين دراسيّتين هزيلتين عجفاوين لا مضمون لهما، لا يُقدِّمان ولا يؤخّران، بل لا يسمنان ولا يغنيان من جوع؛ غريبتي الوطن والوطر، فلم يعد ثمّة كتاب معنون بالفلسفة يحتضنهما، وإنّما ضُمِّنتا كتابًا غريب الوجه واليد واللسان، يحمل وسْمًا هجينًا بعيدًا كلّ البعد عن التخصّصيّة التي تبحث عنها محاور الفلسفة ومضموناتها، إنه الموسوم بكتاب (الثقافة العامّة). فجاء القرار صائبًا بمواراة ذلك الكتاب الثرى وتوسيده التراب عام ستّة عشر وألفين للميلاد، وكانت النّيّة آنذاك مُبيّتةً أنْ لا رجعة للفلسفة أو شيء من رائحتها ومتعلّقاتها إلى المواقف التعليميّة. ولعلّ مَنْ أسهم في وأد هذا الكتاب الخبير التربويّ الدكتور ذوقان عبيدات بنقود قلمه الحادّة ومناكيره الحازّة، ولكنّها في الوقت ذاته مفْحِمَة مُسْكِتَة مُبْكِمَة؛ إذْ أحكم بناءها فجاء أعلاها مثمر وأسفلها مُغدِق.
ثمّ يشاء الله تعالى أنْ يقيِّض لها قلبًا حافظًا ولسانًا لافظًا، فيبعثها من مرقدها الّذي لبثت فيه بضع سنين ــــ إنّه النّطاسيّ البارع معالي الأستاذ الدكتور عزمي محافظة رئيس المجلس الأعلى للمركز الوطنيّ لتطوير المناهج – قبل تولّيه إدارة دفَّتَيْ وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلميّ – إذْ أقرّ مجلس التربية والتعليم اعتماد تدريس الفلسفة في مدارس المملكة الأردنيّة الهاشميّة جميعها، بناءً على قرار المجلس الأعلى للمركز الوطنيّ لتطوير المناهج. وذلك وفق أسلوبين متوازيين : أسلوب إدماج المفاهيم الفلسفية وموضوعاتها في مختلف الموادّ الدراسيّة من الصف الأول حتى نهاية المرحلة الإلزاميّة، والأسلوب الآخر تخصيص كتاب مستقلّ لمادة الفلسفة في الصفّين الحادي عشر والثاني عشر.
ولتسمح لي الفلسفة أنْ أتساءل ها هنا - وهي مادّة التساؤل - : في ضوء عدم استقرار تدريس مادة الفلسفة إقرارًا في كتاب مستقلّ ثمّ اختزالًا وتذويبًا في كتاب آخر، ثم إلغاءً تمامًا، ثمّ عودةً ميمونةً من جديد بأسلوبين متوازيين كما أسلفت... أقول في ضوء ذلك: هل أجرت وزارة التربية والتعليم بحوثًا ودراسات علميّة محكمة وإجرائيّة وميدانيّة ترصينة تمخّضت نتائجها عن ضرورة عودتها أو إقرارها ضمن الأسلوبين السابقين؟ هل قيّمت مرحلة خفوتها، لتضمن توهُّجها وعدم انتكاسها وارتكاسها من جديد؟ أم تزامن إقرارها محاكاةً ومجاراةً لإقرار تدريسها في بعض دول الجوار حولنا ، كالسعوديّة، ودولة الإمارات؟
ولعلّه من نافلة الأمور أنْ أشير إلى أنّ من ملامح الوهن الذي يعلو محيّا بزوغ الفلسفة، وعلائق الاستحياء الذي يكتنف نهوضها أنّها على الرّغم من أنّ مادّة الفلسفة أُقرَّت في مرحلة من مراحل تدريسها مادّةً مستقلًّةً بذاتها، ومن ثمّ لا بدّ أنْ يكون لها إطار عام ومعايير ونتاجات ومؤشرات أداء خاصّ به مستقلّ عن أيّ مبحث آخر، إلّا أنّ الواقع جاء غير ذلك؛ إذْ أَلْحقَ المركز الوطنيّ لتطوير المناهج الإطارَ الخاصّ بمبحث الفلسفة بالإطار العام والخاصّ لمبحث الدراسات الاجتماعيّة ومعاييرها ونتاجاتها ومؤشرات أدائها (انظر: ص،ص 83- 86 و 110–112)، وهذا نهجٌ لا يجعل مادّة الفلسفة تأخذ مكانها بين أخواتها بقوّة الفعل ولا بفعل القوّة، ولا يعضدها، بل يفتُّ في عضد ها، ويخفت بريقها، وربّما يعجّل أفول نجمها .... فمتى كانت مادّة الفلسفة جزءًا من مبحث الدراسات الاجتماعيّة؟ أو قلْ: عَلامَ اعتُمِدَ في جَعْل مادة الفلسفة جزءًا من مبحث الدراسات الاجتماعيّة؟ وإنْ شئتَ أيّ نظام تعليميّ عربيّ أو غربيّ فعل تلك الفعلة؟
أمّا مسألة مجيء إطار الفلسفة ملحقًا إلحاقًا في نهاية إطار مبحث الدراسات الاجتماعيّة، فلعلّ هذا الصنيعُ غير الموفّق – برأيي – يفتّح الأبواب على مصراعيها ليزعم والِجوها أنّ وراء الأكمة ما وراءها، فلربّما ثمّة رسائل مجتمعيّة ما مشحونة تطلّ بأنوفها من بين طيّات ذاك الإلحاق وثناياه.
وللحديث بقيّة مع الفلسفة، وصولات وجولات، فما هذه قطْعًا بخاتمة الكلمات، وإنّما نحن كرّارون إليها ما حملَتْنا الأوقات.

الفلسفة بعد سُباتها تؤؤب بثوب الوهن والاستحياء
بقلم الدكتور عماد زاهي نعامنة
خبير تربويّ مناهج، ومدرِّب مُعتمد








طباعة
  • المشاهدات: 3440
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
01-12-2022 01:46 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم