05-12-2022 08:23 AM
بقلم : د. خير أبو صعيليك
أدى التنامي المطرد للاقتراض وتلازم العجز المزمن في الموازنات المتلاحقة لدى الدول النامية الى إرهاق ميزانيات هذه الدول نتيجة لخدمة الدين (الفوائد) وسداد الاقساط، حتى وصلت خدمة الدين لهذه الدول الى نسبة مرتفعة من الدخل القومي وبالتالي ضآلة المساحات المالية المتاحة لإنشاء وتطوير البنية التحتية والمرافق العامة، والتي تمتاز بارتفاع تكلفتها الرأسمالية، ما ادى الى تراجع مستويات النمو الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة، والأردن ليس استثناءً من هذه القاعدة.
وقد أدى ذلك الى ابتكار ادوات اخرى للتمويل والبناء والادارة ومن ضمن هذه الادوات التي اعتمدتها الحكومة الأردنية مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهي ترتيبات طويلة الامد تستهدف الاستفادة من خبرات القطاع الخاص الفنية وقدرته على التمويل والادارة الكفؤة، وهو ما يتطلب بالضرورة ان تخصص الحكومة في الموازنة العامة مبالغ تمثل قيمة مساهمتها في هذه المشاريع، وقد نجحت هذه الفكرة في تطوير بعض مرافق الدولة ومن امثلة ذلك ميناء الحاويات في العقبة ( ACT )، وتوسعة مطار الملكة علياء الدولي ومشروع جر مياه الديسي الى العاصمة عمان، ومن هنا جاءت الحاجة لوجود اطار تشريعي تمثل في القانون رقم (31) لعام (2014) الذي تم الغاؤه واستبداله بالقانون رقم (17) لسنة (2020).
رصدت الحكومة في موازنة عام (2020) مبلغ (108 ملايين دينار) لبند مشروعات الشراكة بين القطاعين، بينما انخفض هذا المبلغ في عام (2021) الى (85) مليون ثم عاود الانخفاض في عام (2022) ليصل الى (60 مليون دينار)، اما موازنة العام القادم (2023) فقد خصص لهذه الغاية مبلغ (55 مليون دينار) مقسمة الى (50 مليون دينار) لمشروع الناقل الوطني للمياه المحلاة من العقبة بينما رصد لباقي مشاريع الشراكة مبلغ (5 ملايين دينار أردني) فقط.
لا ألوم وزير المالية على هذا التخفيض المستمر من عام (2020) الى اليوم وبنسبة زادت على (50 %)، والسبب ان الحكومة لا تنفق هذه المبالغ على المشاريع لعدم جاهزيتها الفنية لتبقى هذه الموازنات حبراً على ورق، فمن يصدق انه خلال هذا العام الحالي لم يتم إنفاق اي مبلغ من الستين مليون دينار المرصودة في موازنة العام الحالي، ومن يصدق ان مشروع إنشاء مباني وساحات الشحن والركاب للمعبر الحدودي البري لجسر الملك حسين يتردد منذ خمس سنوات دون ان ينتقل الى حيز الوجود.
أما وحدة الشراكة المنشأة بموجب القانون فحالها يبعث على الحزن فقد بدأت بوزارة المالية ثم انتقلت الى رئاسة الوزراء ليحط بها الرحال اخيرا في وزارة الاستثمار، والأنكى من ذلك عدم وجود مدير لهذه الوحدة منذ ما يزيد على عام كامل.
يحدث هذا في بلد يعاني من ضعف مساحات التمويل وتدني قيمة الاستثمار الاجنبي المباشر ونسبة بطالة تفوق (22 %)، والامر ذاته ينسحب على مخصص الانفاق الرأسمالي والذي لا يتحقق على مدار السنوات الخمس الاخيرة وكأن هذا المخصص هو بند نفقات طارئة (Fiscal Buffer) يتم الانفاق منه عند الضرورة، فقد استخدم جزء كبير منه لتغطية الايراد الماضي نتيجة تثبيت اسعار المشتقات النفطية في النصف الاول من هذا العام.
إن نجاح مشاريع الشراكة بين القطاعين يتطلب المزيد من الجدية ومأسسة العلاقة مع القطاع الخاص على أسس سليمة باعتباره شريكاً في صناعة ورسم السياسات الاقتصادية، كما يتطلب التجهيز المسبق لهذه المشاريع من اعداد الدراسات والجدوى الاقتصادية، الامر الذي يسهم في استقطاب اهتمام الممولين والمطورين والجهات المانحة، لأن العملية الاستثمارية تقوم على الربح وليس على المشاعر والاحاسيس.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-12-2022 08:23 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |