حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,27 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1956

((لغم أرضي)) .. مسرحية تحتفي بالحياة رغم المعاناة

((لغم أرضي)) .. مسرحية تحتفي بالحياة رغم المعاناة

((لغم أرضي)) ..  مسرحية تحتفي بالحياة رغم المعاناة

15-12-2022 09:41 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - إن ذروة الفعل المسرحي، وما يتضمنه زخمه التعبيري، من جمال يتأتى خصوصاً من الأداء الفطري، وبخاصة عندما يُطرح الفضاء، وفق احتفالية تنشد ما هو إنساني فينا؛ من حاجة الفرد للاخر، والعفوية في حرية التعبير عن الذات ونفسها.

ومن اشتراطات هذه الاحتفالية في المسرح، ظهورها من الحياة الاجتماعية للبشر من الواقع المعاش، بعيدا عن المحاكاة والتمثيل، وإنما تظهر جماليات أداء الشخوص في اندفاعاتها، ضمن سياق كأنه الحياة الطبيعية الواقعية في محاكاتها العلاقات الإنسانية، وبخاصة العلاقات العائلية الدافئة، كالتي تكون بين زوجين جمعهما حب جارف، ولم تستطع تقلبات الأوضاع الاقتصادية والنفسية، طيلة زواجهما،أن تطفئا هذا الحب.

حتى أن بعضاً من حالات هذا الحب، يظل يتوهج ويزداد حتى بعد رحيل أحدهما عن الآخر.

ومن هذه الفضاءات، سابقة الذكر، ما عاشها وتفاعل معها عاطفياً ووجدانياً، جمهور مسرحية «لغم أرضي»، عن نص لإيلي كمال، وإخراج جورج إبراهيم، وأداء أميرة حبش، وغسان أشقر.التي قدمها مسرح القصبة الفلسطيني، على مسرح الريو، في العاصمة تونس، المشاركة في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية في دورتها الثالثة والعشرين.

وكما هو معروف يجيء دائماً عنوان النص، الباب الذي يدخل منه مستقرؤه للولوج لعوالمه، سواء كان نصاً مكتوباً أدبياً ألسنياً، أو سمعياً، أو بصرياً سيميائياً، وهذا ما أكدته أحداث حكاية العرض، في مشهد الاستهلال، حيث كان حيز الأداء يجيء لشخصيتي زوجين داخل دائرة مرسومة بالطبشور، لا تستطيعا مغادرتها، لأن سياق العنوان جاء وفق تجليات معنى عبارة «لغم أرضي»، فنظام التواصل هنا استقر في إحساس وذهن المتلقي بأن السبب في عدم قدرتهما تجاوز مساحة الدائرة، بفعل هذا اللغم الذي سينفجر بهما أو بأحدهما، إلا أن الإخراج هنا استخدم تقنية (كسر للتوقع والنمطية).

الأمر الذي فاجأ المشاهد، وأدهشه، لا بل هذا الكسر لأفق التوقع، أوقف للحظات جميع قنوات الاتصال، التي كان المتلقي من خلالها يستقبل مختلف علامات وشيفرات الفعل التي يبثها المسرح له، إذْ مرت لحظات صمت مطبق إزاء اكتشاف هذا المتلقي، للعلامة السينغرافية الكبرى، لمجسد قبر (الزوجة) ندى سالم، وأن المسرح لا يحتوي على شخصيتين، وإنما واحدة (الزوج) وقبر زوجته.

إذْ أن حكاية أحداث المسرحية، بما تضج من عواطف دافئة، ليست أحداثا واقعية في الزمن الداخلي للمسرحية لحظة مشاهدتها من المتلقي، وإنما حدثت في زمن آخر، إلى ذكريات استدعتها ذاكرة الزوج، من زمن آخر، وطرحتها أمام زمن المشاهدة، سمعياً وبصرياً.

تحقق هذا الفضاء الفرجوي، على المسرح، بانجماع أنساق الجماليات الصوتية والبصرية، في بنية احتفالية لديمومة الحب بين الزوجين، تنشد انعتاق الروح والجسد من أغلال قيود السائد اجتماعياً وسياساً.

الحكاية طرحت معاناة البشر من نتاج التحولات الكبرى، التي تطرأ على المرء، بعد فقدانه لمن يحب من البشر لجهة البعد النفسي، والثقافي، والاجتماعي، وتعدد مواقف هذا الإنسان من هذه التحولات.

لكن تلك الحكاية وبما تمور من أحداث وتحولات على أهميتها، ليست هي المقصود هنا أساساً فمن الممكن ان تُقرأ في تحليل اخباري، أو تقدم في عمل روائي، ولكن الأساس هنا أنها طُرحت بلغة مسرحية، تميزت ببلاغة متناهية في الجمال؛ مظهرها أداء جسد الممثل، بمختلف تقنياته؛إيماءً، وحركةً، أفقيةً وعاموديةً، ودائريةً.

كما وواكبتها الأنساق الجمالية للصوت سواء عبر النص المنطوق:النبرة والكلام، فضلاً عن المؤثرات السمعية غير المنطوقة من موسيقى، ومؤثرات صوتية أخرى، أنتجت إشاراتها الأنساق العلاماتية التي كونت فضاءً مسرحياً ضجت بجمالية المبنى والمعنى الأخاذين.

الرؤية الإخراجية الصارمة لجورج إبراهيم، في تصميمها للأداء لحركي لكلٍّ من شخصيتي (الزوج) و(الزوجة)، منفردةً لكل منهما، أو مجتمعتين في لوحات إيقاعية راقصة، نجحت في تأسيس لغة تقوم على تأشيرات من أنساق سمعية ومرئية، في منتهى الجمال والأناقة التعبيرية، التي أظهرت قيمة دفء العلاقات الزوجية، عندما تنطوي ضمن عائلة متحابة.

يجيء حال الحراك المسرحي الفلسطيني، الواقع تحت نير الاحتلال، باتجاهين عامين أحدهما مباشر، الذي بدأ بالاختفاء في هذا الحراك، والآخر غير المباشر، الذي يناضل ويجاهد، بتكريس صبغة المجتمع المدني في حياة المواطن الفلسطيني.

ومن الفرق المسرحية التي تنتج هذا النوع من المسرح: المسرح الوطني الفلسطيني، مسرح الحارة، القصبة، سرية رام الله، مسرح سفر، مسرح عشتار، مسرح نعم، وأعمال حسام أبو عيشة، وسامية البكري، وغنام غنام، وغيرها من الفرق والجهود التي لا تحضر الآن من الذاكرة.

على اعتبار أن الاحتلال يريد تكريس عسكرة المجتمع الفلسطيني، ويبعده عن الحياة الإنسانية التي يحياها البشر في القارات الخمس، من حيث ممارسته للتعليم، والعمل، والصحة، والاقتصاد، وكافة مناحي الحياة، ليكون المجتمع الفلسطيني معافىً؛ يستطيع الفرد أن يمارس حياته المدنية بكل ما فيها من تجليات، وبالتالي فإن تحقيق ذلك، يعد فعل مقاومة هاماً استراتيجياً، لبقاء هذا المجتمع على مسار الحضارة.

 








طباعة
  • المشاهدات: 1956

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم