حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,25 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2174

العربية لن تنطفئ

العربية لن تنطفئ

العربية لن تنطفئ

17-12-2022 02:18 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. حمزة الخلايفة
ما أجمل أن تجد في بطون الكتب من ينتصر للغة العربية من غير أبنائها، في حين أنك في المقابل تجد أبناء اللغة العربية ينشطون في بحثهم عن عديد الأسباب ليتقاعسوا عن دورهم في الحفاظ عليها وإبراز ما فيها من بيان وبلاغة، خلال قرأتي لكتاب " تقدم العرب " للكاتب والمؤرخ والصحفي الأمريكي ( جويل كارميشيل ) وقع نظري على نصٍ أقل ما يُقال فيه أنه قمة الصدق والتذوق والإبداع، يقول الرجل: " إن إمكانات العربية لاستخدامها كلغة تصويرية لا حصر لها، فإشاراتها وعباراتها المجازية وبنيتها اللغوية تضعها في منزلة أبعد من أن تصل إليها أي لغة أخرى، تُفقد العربية في الترجمة وتضيع، ولكن اللغات الأخرى جميعها تحقق انتصارًا عند ترجمتها إلى العربية. "
هذا الرجل يتغزل ويتغنى بالعربية وكأنه الصوفي الذي اعتكف في مقامه واجتهد فيه، وباح ببوحٍ شفيف عن لغتي العربية قل له النظير، وكأنه من شعراء العشق اللغوي العربي، العربية مازالت تحتفظ بإمكانيات هائلة، وخصائص أسلوبية وتركيبية وبلاغية ومعجمية لا نكاد نجدها في اللغات الأخرى، تختزن في جوفها كنزًا كبيرًا يجعل منها واحدة من أهم اللغات العالمية على مرّ التاريخ، هي لغة حية لا خلاف على ذلك، وإن مرّت بشيء من التأخر والضعف والخذلان من أبنائها، الى جانب تحولات الزمن وتقلباته.
العربية في خطر؛ الصراع الحضاري المحتدم في عصرنا الحاضر نجح إلى حدٍّ بعيد في فرض قيوده الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية فباتت حضارة الغير ومنجزه متغلغلًا في مفاصل حياتنا التي نعيش، ظواهر جديدة ومتغيّرات طارئة وجدت طريقها الى هويتنا التي نمتاز بها عن غيرنا، صراع لغوي حاد، فالعربية الآن تعيش صراعًا كونيًّا محتدم الوطيس من عديد النواحي، أهل العربية همّشوا حضورها، وأخذوا يغازلون اللغات الأخرى ويتسابقون الى الحديث بها، فقد أضحى الاعتماد على الأجنبي من لغة ومعارف وعلوم البديل الأمثل لهم؛ إنه العجز في أرذل صوره، والتدهور في العقلية العربية التي ما كانت يومًا على هذا الحال.
لا بأس هذا هو الواقع، توصيف الأسباب جزء كبير من الحل، العالم العربي يعيش في ظلّ أزماتٍ عديدة جعلت منه ذلك الواقف في آخر الصف ينتظر ولا يصل، كل ذلك مردّه الى الضعف الاقتصادي وقصور الرؤية وضياع البوصلة، واللغة بوصفها هوية من يتكلم بها أضحت اليوم ضحية لبقية اللغات من جهة ولأبناء العربية من جهة أخرى، فالعربي سادر في التنازل عن عربيته، فهو اليوم يرى نفسه متخلّفًا عن الركب إن هو تكلّم بها في مجالات الحياة العامة، أو حتى في أبسط صور الاستعمال الذي يجب أن تكون عليه؛ هيمنة واضحة للغات الأجنبية على أبناء العربية، أطفالها قبل كبارها، والتفوق اليوم صار للغة الثانية والثالثة لا للغة الأم.
الحلول لا بدّ من إيجادها، أزمة العربية أوجدها أبناؤها؛ غياب الاستعمال، وتفضيل اللغات الأخرى عليها، وغياب صريح للوعي بأهمية اللغة العربية، فهي مكوّننا الحضاري والديني، وأساس التشريع والتواصل والخطاب، قد يُقال إن العربية ليست لغة العلم ولا يمكن لها أن تتسلق سلّم الحضارة البشرية الحديث، غير أنها لغة القرآن والبيان ولغة من لا لغة له.
العربية لن تنطفئ، هي لغة حيّة علينا بعدم الاكتفاء بعلاقتها بالقرآن الكريم والتشريع، أو بالاكتفاء بمن يقول: " للغة ربّ يحميها" وأنا على يقين مطلق كما أنتم أن الله عزّ وجل تعهد بحفظها وديمومتها إلى أن أن يرث الأرض ومن عليها، ولكن علينا أن نجعل منها لغة الحياة والعلم والبحث والفرح والحب، علينا بثورة شاملة من الداخل العربي تعصف بكل جوانب القصور والضعف الذي يطال لغتنا الأثيرة والعظيمة من متكلّمٍ ونصٍّ وسياقات لُغوية جميلة، علينا بالمسايرة، نعم مسايرة عصر السرعة والعلم، لا نعيب على من يتحدث بلغة غير العربية، ولا ننتقص من أي لغة كانت، وتعلم اللغات أمر في غاية الأهمية شريطة ألا تحلّ مكان العربية، نحن أحوج ما نكون الى حركة إصلاحية لغوية ثقافية يتصدرها أهل اللغة والمعلمون والفنانون والأدباء والكتّاب وأهل الإعلام، حتى لا تتسع الهوة فتصبح العامية وغيرها من اللغات سبيلًا للتواصل والكتابة والحديث.
معشوقتنا العربية، لابدّ أن نعيد توجيه بوصلتنا إليها، لابدّ أن نؤمن بها لا باللغة الأجنبية، لا بدّ لنا أن نُعلي من شأنها؛ حتى لا تحدث الفجوة بيننا وبينها، التي إن حدثت وهي الآن تتغلغل رويدًا رويدًا، سنخسر الكثير من قيمنا وهويتنا وحضارتنا.
يُعجبني درويش حين يقول متغنّيًا باللغة العربية، ومُحتفلًا بها:
هذه لغتي ومعجزتي، عصا سحري
حدائق بابلي ومسلّتي، وهويتي الأولى
ومعدني الصقيل
ومقدّس العربي في الصحراء
يعبد ما يسيل
من القوافي كالنجوم على عباءته
ويعبد ما يقول
لا بدّ من نثرٍ إذاً
لا بدّ من نثرٍ إلهي لينتصر الرسول.

د. حمزة الخلايفة








طباعة
  • المشاهدات: 2174
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-12-2022 02:18 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم