18-12-2022 08:21 AM
سرايا - فازت الكاتبة الفرنسية «آني Yرنو» بجائزة نوبل للHدب لهذه السنة, وبهذا تكون «إرنو» أول امرأة فرنسية تحصل على هذه الجائزة. ومما جاء في مبررات حصولها على الجائزة: «حصلت السيدة إرنو على الجائزة من أجل الشجاعة والواجب الإكلنيكي اللذين تكشف بهما الجذور والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية».
ومُنحت «إرنو» هذه الجائزة تقديرا لمجمل أعمالها الأدبية التي ترتكز غالبا على ذكريات شخصية، وهذاما دفعها إلى أن تكون أشهر كاتبة فرنسية في العصر الحاضر. بل ويلقى على عاتقها مسؤليات جسام في ما يختص بإظهار العدالة ومدى تجاهلها في عالمنا المعاصر.
وكما هو معروف عن «إرنو»، فإنها من عداد أساتذة الأدب في الجامعة، ومن خلال عملها مدرسة في جامعة «سيرجي بونتواز» ومن خلال مسيرتها الطويلة هناك، كتبت حوالي عشرين رواية أدرجتها ضمن ما يسمى «الذكريات غير الشخصية». ويقال إنها تكتب للانتقام لبني البشر من جنسها الذي تنتمي إليه.
ولكونها امرأة، تعاين «إرنو» المنظار الذي يتصف بكره النساء، حيث يكون الرجال هم من يقررون شروط اللعبة. وقد انحازت الكاتبة في بداية شهرتها إلى جمعيات نسائية في محاولة لنفي صفة الجريمة عن الإجهاض، وكانت بذلك ترى أن قبول الإجهاض او رفضه ناتج عن الاختلاف بين الأجناس البشرية، أي عن العنصرية.
وفور أن أًعلن فوز «إرنو» بجائزة نوبل، وكانت أعمالها قد تُرجمت سابقا إلى لغات عدة، منها اللغة الألمانية بانتشار واسع، أخذت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تسلط الضوء على جوانب مهمة من أعمالها الأدبية، وتحديدا علاقتها مع الإسلام. ففي ردها على القانون الفرنسي الذي يمنع ارتداء النقاب أو البرقع، اعتبرت «إرنو» أن ذلك القانون يتعارض مع حرية الإنسان وبالأخص المرأة المسلمة. ولاعتبارتها النسوية، فهي ترى أنه لا يحق لأحد أن يفرض على أي امرأة شكل ملابسها، وعلى العموم فإنه من العدل أن يُترك البتّ في ذلك للأزواج أو للتجمعات الدينية.
غالبا ما تكون أعمال «إرنو» الأدبية مذكرات شخصية، وهي تميل إلى اليسار اجتماعيا وسياسيا، وتجمع في كتاباتها بين الخبرة التاريخية والشخصية، وفي بداية مشوارها الطويل كانت المشاكل النسائية، وخاصة ما يتصل بالإجهاض، هي الغالبة على كتاباتها، بل إنها أخذت حيزا كبيرا في كتابها «السنوات» (the years) الذي كان عبارة عن مذكرات تاريخية، وقد كتبت فيه عن نفسها بصفة «الشخص الثالث»، وحصلت على جوائز عديدة، وحظيت بنقد أدبي من كبريات الصحف والشخصيات الأدبية الأوروبية والأميركية والإنجلوفونية، وكانت قد رشحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر سنة 2019. وعموما، كانت «إرنو» أول من انتقد تعرض المسلمين في فرنسا لمجتمع معاد لهم ولبيئتهم التي يعيشون فيها.
وفي إحدى مذكراتها الشخصية، في سنة 2009 بالتحديد، وصفت «إرنو» أحوال المسلمين في أوروبا على أنهم «يهود العصر»، وهذه تهمة لا يستطيع الشعب الفرنسي نفيها أو التخلي عنها، وتوصلت إلى أن رؤية فتاة مسلمة صغيرة ترتدي الحجاب يثير في الكثير من الفرنسيين شعور العداوة والنظرة العنصرية.
ومن ميزات «إرنو» الواضحة أنها كانت ناشطة في معظم النزاعات الشرق أوسطية، وليس خفيا أنها كانت دائما مؤيدة للجانب الفلسطيني، وقيل إنها وقعت على رسائل وبيانات تدعو لمقاطعة المناسبات الإسرائيلية، وحظر التعامل مع المؤسسات الإسرائيلية، منطلقة في ذلك من اعتبار «إسرائيل» دولة فصل عنصري ودولة استعمار، حتى بلغ الأمر بالكاتب الشهير «باسكال بروكنر» إلى طرح السؤال حول ما إذا كانت «إرنو» في جانب اليمين المتطرف واعتبارها شخصا معاديا للسامية. فضلا عن أنها كانت من مؤيدي تظاهرات «السترات الصفراء»، وكانت وما زالت تدعم تنظيم مجموعات لمقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية التي كانت تصدر من المناطق المحتلة في فلسطين على أنها من منشأ إسرائيلي.
ودعمت «إرنو» بكل قوة العقوبات المفروضة على إسرائيل، ودعت مع حوالي ثمانين كاتبا وفنانا لإلغاء العلاقات الفنية والأدبية المشتركة مع «إسرائيل»، كما دعت إلى مقاطعة الحفل الموسيقي العالمي (EUROVISION SONG).
تحولت «إرنو» في مسارها الأدبي من الأسلوب الروائي الخيالي إلى أسلوب المذكرات الشخصية والواقعية، كما نجد في كتابها «السنوات» الذي غطى الفترة بين عامي 1940 و2007 اجتماعيا وثقافيا بشكل تاريخي، فاتسعت دائرة القراء لتشمل العالم الإنجلوفوني، وبهذا فقد استطاعت «إرنو» أن تحول المذكرات إلى فن قائم بنفسه.
وكان لـ «إرنو» اهتمام خاص بالشرق الأوسط وإشكالياته، وخاصة القضية الفلسطينية وما يحاك حولها في الخفاء، كما اهتمت بالعالم الإسلامي، وانتقدت الخميني لإصداره فتوى بحق الكاتب سلمان رشدي، وشاركت في النقاش الذي دار في الثمانينيات من القرن الماضي عندما تم اعتبار ثلاث تلميذات أصررن على لبس الحجاب في فرنسا «رأس الحربة للأصولية الإسلامية وللتيار التنويري» ورأت في ذلك تشجيعا لكره النساء.
مثلت حرب حزيران 1967 محطة مفصلية للعالم الذي رأى الدبابات الإسرائيلية تدمر الجيش والإنسان المصري، وكانت «إرنو» تشير إلى انقلاب الصورة؛ أي أن ضحايا الأمس هم قتلة اليوم، وأن خلع الجلد عن الضحية قد يتسبب في إرباك الأوروبيين.
وتعبيرا عن اختلافها مع المجتمع الفرنسي في الوقت الحاضر واختلافها مع الرئيس ماكرون بصفة خاصة، دعت «إرنو» إلى تحديث القانون الفرنسي الديمقراطي (الرئاسي) إلى ما يشبه الديمقراطية البرلمانية الألمانية، وكذلك تحديد نسبة الأجور، وإعادة قانون الضرائب على الأغنياء، وشرحت الكاتبة لحظات الذل والفضائح الشخصية في تاريخها بشكل دقيق في كتابها «العار» (SHAME) الذي صجدر في سنة 1997.
يتسم أسلوب «إرنو» بالبساطة وسهولة القراءة، ورأت أن اغتيال رابين سنة 1995، الذي أعاد الفلسطينيين إلى المربع الأول، يؤكد أنه لا حل للقضية الفلسطينية، ومنذ سنة 2015 وهي تتحدث عن أحوال الشعب الفلسطيني وما يعانيه من انطفاء الأمل من قبل «إسرائيل» والحركة الصهيونية.