25-12-2022 02:58 PM
سرايا - شهد عام 2022 تقدماً ملحوظاً في تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها في مختلف مناحي الحياة، من الفن إلى الحرب، مروراً بالرياضة، وتحديداً خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم التي احتضنتها قطر بين 20 نوفمبر/ تشرين الثاني و18 ديسمبر/ كانون الأول الحالي.
إذ أدخلت قطر تقنيات عدة من الذكاء الاصطناعي في تنظيمها لمونديال 2022، للتحكم بدرجات حرارة الملعب، والمستشعرات الحساسة في الكرات، وأنظمة التحكيم. ويواصل العلماء تسخير الذكاء الاصطناعي في الفنون الإبداعية، سواء بإنتاج التصاميم أو كتابة الأفلام. وأعلنت شركة ميتا وضع نظام يمكنه التحدث بـ200 لغة، وهو دليل تقدم لغوي للذكاء الاصطناعي، وأمل للغات محدودة الانتشار في آسيا وأفريقيا. وشهد الصيف الماضي ضجة عالمية ونقاشاً في إمكانية اكتساب الروبوت للوعي والمشاعر. وحضر الذكاء الاصطناعي في معارك العصر، من عمليات القتل الذاتية على الأرض، إلى حرب المعلومات في مواقع التواصل الاجتماعي.
مونديال قطر
توافرت ملاعب قطر على كاميرات مثبتة مهمتها تتبع الكرة المليئة بالمستشعرات وما يصل إلى 29 نقطة بيانات على جسم كل لاعب، بمعدل 50 مرة في الثانية. تتعقّب نقاط البيانات أطراف اللاعبين وموقع الكرة، وتزوّد نظام الذكاء الاصطناعي بما يساعد الحكم على اتخاذ قرارات بشأن العقوبات، مثل حالات التسلل. ويتيح النظام خدمة التنبيه الآلي داخل غرفة مجهزة بشاشات لعرض الفيديو، ويساهم في التحقق من صحة أي قرار وإبلاغ الحكم على أرض الملعب بالنتائج. وتستخدم الملاعب الخوارزميات للتنبؤ بتحركات الحشود ومنع التدافع، وتفادي حوادث خطيرة حصلت في دول أخرى.
في الفن
في مايو/ أيار أُعلِن النجاح في كتابة فيلم قصير يحمل اسم Boy Sprouted مدته 26 دقيقة، من تأليف الذكاء الاصطناعي للروبوت Furukoto وإخراج يوكو واتانابي. وصرّح واتانابي للصحافة حينها: "جودة النص تقريباً بمستوى جودة كتابة البشر. لو لم أكن أعرف، لما كنت لأشك في أنّ إنساناً كتبه". ويتنافس نوعان من خوارزميات الذكاء الاصطناعي تطلق عليها تسمية "الشبكات العصبية" على تقديم الصورة الأكثر اكتمالاً للفنان. يتولى الشخص أولاً توفير صور المصدر، ويضبط الإعدادات للحصول انطلاقاً منها على النتيجة التي يتوخاها.
ولا يمكن تحقيق هذه المهمة الضخمة إلا بمشاريع تتمتع بتمويل كبير كنموذج Dall-E 2 من شركة أوبن إيه آي الناشئة في كاليفورنيا التي تحظى بتمويل خاص من الملياردير إيلون ماسك، أو مشروع إيماجن المنافِس من "غول ريسيرتش". واستناداً إلى جملة واحدة، يصبح الكمبيوتر قادراً على مزج المفاهيم وإنشاء تمثيلات متعددة وتوليد الصور. وفي الوقت الحالي، لا يزال الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى التوجيه، مع جهد كبير ومراجعات كثيرة، لمطابقة النماذج التي يريدها الفنان مع تلك التي تنتجها الشبكات العصبية. لكن يعتقد الخبراء أن هذه البرامج يمكن أن تحدث ثورة في صناعة إنشاء الصور وتنقيحها. وتتداول الشبكات الاجتماعية منذ الآن أمثلة عدة عنها.
في اللغة
في يوليو/ تموز أعلنت "ميتا" نموذج ذكاء اصطناعي يحمل اسم NLLB-200 يمكنه التحدث بـ200 لغة، تشمل لغات محدودة الانتشار في آسيا وأفريقيا. وقبل ستة أشهر من الإعلان، أطلقت الشركة مشروع NLLB الذي يهدف إلى تدريب الذكاء الاصطناعي على الترجمة بسلاسة بين اللغات من دون الحاجة إلى المرور باللغة الإنكليزية أولاً. ووفقاً لبيان من الشركة، يمكن NLLB-200 ترجمة 55 لغة أفريقية "بنتائج عالية الجودة". وقرّرت "ميتا" فتح مصدر NLLB-200، بالإضافة إلى تقديم منح قيمتها 200 ألف دولار للمؤسسات غير الربحية، لتطوير تطبيقات واقعية لهذه التكنولوجيا.
"مشاعر" الروبوت
شهد الصيف الماضي ضجة عالمية ونقاشاً في مدى اكتساب الروبوت للوعي والمشاعر. وهي الضجة التي أحدثها طرد شركة غوغل مهندساً زعم أن روبوت الدردشة الآلي للذكاء الاصطناعي الخاص بها "لامدا" يمتلك مشاعر. ورأت "غوغل" أن مهندس البرمجيات بلايك ليموين انتهك سياساتها، وأكدت أن مزاعمه بشأن "لامدا" لا أساس لها من الصحة. لكن بلايك ليموين أعلن نظريته القائلة إن تقنية "غوغل" اللغوية واعية، ويجب بالتالي احترام "رغباتها".
محاربة الأخبار الكاذبة
تستكشف مؤسسة ويكيميديا، وهي منظمة غير ربحية تشرف على "ويكيبيديا"، بانتظام حلولاً جديدة لمحاربة عيوبها، وبدأت باللجوء إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، كما كشفت تقارير في 2022. وتعاونت المؤسسة مع "ميتا" لتحسين الاقتباسات من "ويكيبيديا" بالذكاء الاصطناعي. إذ تستخدم "ويكيبيديا" المراجع لتأكيد المعلومات في الموقع، لكن هذه غالباً ما تكون مفقودة أو غير كاملة أو غير دقيقة. وبينما يتحقّق متطوعو "ويكيبيديا" مرة أخرى من الحواشي السفلية، يصعب عليهم المواكبة مع إضافة أكثر من 17 ألف مقالة جديدة شهرياً. وبالاستعانة بتقنية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من "ميتا"، يمكن النموذج الأول من التقنية مسح مئات الآلاف من الاقتباسات تلقائياً في وقت واحد للتحقق من دقتها. وتعتمد التقنية على مجموعة بيانات تتكون من 134 مليون صفحة ويب عامة، وفقاً لموقع ذا نِكست ويب التقني.
الحرب الروسية الأوكرانية
أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل باتت جزءاً من واقع الحروب اليوم، وأنواع الذكاء الاصطناعي كذلك. في حرب أوكرانيا، انتشرت أخبار أن موسكو نشرت ذخيرة كلاشينكوف ZALA Aero KUB-BLA التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، بينما استخدمت كييف طائرات تركية الصنع من طراز "بيرقدار تي بي 2" تتمتع ببعض القدرات الذكية الذاتية. وأوردت "فورين بوليسي" أن إسرائيل وروسيا وكوريا الجنوبية وتركيا على الأقل قد نشرت أسلحة ذات قدرات ذاتية، وتستثمر أستراليا وبريطانيا والصين والولايات المتحدة بكثافة في تطوير أنظمة الأسلحة الفتاكة الذكية.
ويرجح الباحثون أن روسيا ستستخدم بالتأكيد الذكاء الاصطناعي في أوكرانيا للمساعدة في تحليل بيانات ساحة المعركة، بما في ذلك لقطات المراقبة من الطائرات من دون طيار. وقد يلعب الذكاء الاصطناعي أيضاً دوراً حيوياً في حرب المعلومات. ويخشى مراقبون غربيون من أن تقنيات مثل التلاعب المعمق (مقاطع فيديو مزيفة واقعية للغاية أُنشئت باستخدام الذكاء الاصطناعي) ستزيد من حدة حملات التضليل الروسية، رغم عدم وجود دليل حتى الآن على استخدامها.
ويمكن أيضاً استخدام التعلم الآلي للمساعدة في الكشف عن المعلومات المضللة. وتنشر منصات بالفعل هذه الأنظمة، رغم أن سجلّها في تحديد المعلومات المضللة وإزالتها بدقة لا يزال أقل من المطلوب. واقترح خبراء أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تحليل الكم الهائل من المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر، القادمة من أوكرانيا من مقاطع "تيك توك" ومنشورات "تيلغرام"، لتشكيلات القوات والهجمات، التي جرى تحميلها من قبل الأوكرانيين العاديين. وهذا يمكن أن يسمح لمنظمات المجتمع المدني بالتحقق من صحة الادعاءات التي قدمها طرفا الحرب، وكذلك توثيق الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان المحتملة، وقد يكون هذا أمراً حيوياً لمحاكمات جرائم الحرب في المستقبل.