حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,24 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 4038

(يا رَب .. سَلّ هذا فيمَ قَتَلَني) .. !؟

(يا رَب .. سَلّ هذا فيمَ قَتَلَني) .. !؟

(يا رَب  ..  سَلّ هذا فيمَ قَتَلَني)  .. !؟

25-12-2022 06:14 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : فهد خشمان الخالدي

في العادات العشائرية، هُناك ما يُسمى (الحَقّ العشائري) ويتعلق بتحصيل الحقوق في إطارٍ عشائري، ومِن هذه الحقوق ما يتعلق بحقوق الأَفراد تجاه بعضهم البعض، فيُطلب الشخص المُتَعدِّ مِن قِبل قاضٍ عشائري لكي (يَقعُد للحَقّ) بعد أَن اِستجار به شخص آخر تمّ التعدي عليه مِن قِبل ذلك الشخص، وبطبيعة الحال فإِنَّ الموقف سيكون صعباً ومُحرجاً للغاية حين يُدان المُتَعَدِّ أَمام حشد كبير يضم جموع مختلفة مِن كافة العشائر المدعوين لحضور هذه الجلسة ..! فالأَمر أَشبه بسقوط مدوٍ للمُتَعدِّ مِن أَعيُن الناس؛ فلا يُقدَّر بعد ذلك ولا يُحترَم ولا يُهاب جانبه ..! وقد يُضطَر إِلى تَرك العشيرة والهجرة إِلى مكان لا يراه فيه أَحد ممن يعرفونه ويعرفون قصته ..! فيتمنى بعد ذلك لو أَنَّ الزمان يعود به قليلاً كي يتجنب مجريات ما حدث مِن الأَصل ..! رغم أَنَّ القضية بمُجملها دنيوية خالصة في جُرم قد يكون أَبعد ما يكون عن إزهاق روح إنسان أَو شركٍ بالله أَو كُفرٍ به ..!.

هذا في القانون والعُرف العشائري بكل ما فيه مِن حقائق قد تغيب عن القاضي وعن الحضور بشكل ستغيب فيه أيضاً بعض الحقوق تبعاً لذلك، أَما في القانون الإلهي، فالوضع مختلف تماماً، فهناك ستكون كل القضايا مطروحة أَمامه سبحانه وتعالى وإِن كان فيها ما هو مثقال ذَرَّة، ومِن جُملة هذه القضايا جريمة قتل النفس التي حرَّم الله إلَّا بالحق، فالقاتل والمقتول حينها سيقفان أَمام الله عزَّ وجَل، وليس أَمام إنسان مِن خَلقِه يُخطئ ويُصيب ..! والقاتل هنا مهما بلغ مِن حِنكة ودهاء، فإِنَّه لن يفيده أَن يكون أَلحَن بحُجته مِن الآخر كي يَقلب الحقيقة أَمام الله ..! ولن يستطيع التَستُّر وراء أَدلَّة حُضِّرَت له بشكل أَو بآخر كي ينال البراءة مِن الله ..! أَو الاستنجاد بشاهد زورٍ؛ لقَلبِ الحقِّ إِلى باطل والباطل إِلى حقّ ..! فالقاضي هُنا هو الله الذي يعلم الجَهرَ وما يَخفى، فلا مَناص مِن القصاص بعد أَن توضع أَمامه الحُجَّة التي لا مَفَرَّ منها على الإطلاق ..!. فحُرمَة قتل النفس الإنسانية جُرمٌ عظيم في شرع الله، حُرمَة تجعل المقتول يأَتي مُتعلقاً بمَن قتله يوم القيامة إِلى أَن يقفان أَمام الله عزَّ وجَل، فيقول المقتول (يا رَب .. سَلّ هذا فيمَ قَتَلَني) ..!؟ فيقول القاتل: قتلته لتكون العزَّة لفلان ..! فيقول الله عزَّ وجَل: إِنَّها ليست له (أَي أَنَّ العزَّة ليست لمَن ذُكر، فهي لله وحده)، فيهوي جَرَّاء ذلك في النار سبعين خريفاً؛ لحَمله إِثم مَن قتله بلا حَق ..! فقّتل النفس على هذا النحو قد يكون بُغية تحقيقٍ لعزَّةِ أَمير جماعة ما ينتمي لها القاتل ..! وقد يكون لعزَّةِ فكر مُعوج آمن به ذلك القاتل ومَن معه ..! وقد يكون لعزِّةِ هَوىً اتبعهُ فصار إلههُ هواه ..! بشكلٍ غُيِّبَ فيه عقله عن معرفة أَنَّ العزَّةَ لله جميعاً.

ما ذكرته مِن بعض أَحداث يوم القيامة جاء في الحديث الصحيح على نحو أَوسع يشمل مَن قُتل بحقٍّ أيضاً؛ فلا يُدان القاتل جَرَّاء ذلك نظراً لصحة الحُكم، فالطامَّةُ الكُبرى تكمُن في الحالة الأُخرى التي يُقتَل فيها الأَبرياء بلا ذنب ..! ومدلولات الحديث معلومة بمُجملها وبمنطقيتها لكل مسلم قد لا يعرف مِن الدين سوى نطق الشهادتين ..! فكيف بمَن (يعتقد) أَنَّه يحمل بيده لواء هذا الدين، بالوقت الذي لا يحمل فكره إلَّا التطرُف والغلو والقتل والفهم الخاطئ لدينٍ ملؤُه التسامح والمؤاخاة والعدل والمساواة ..!؟ فهل يعلم هؤلاء أَنَّهم سيقفون أَمام الله عزَّ وجَل بعد أَن يتعلق بهم كل مَن قتلوهم ظلماً ..!؟ فيُسأَلون عن سبب قتلهم مِن قِبل قاضٍ يعلم الجواب قبل السؤال وما أُسرِر وما أُعلِن ..! فأَيُّ موقف هذا ..!؟ وأَيُّ حُجَّةٍ ستُساق على أَلسنتهم ..!؟ فهل التَذرُع بأَوامر أَمير الجماعة ستكفي ..!؟ وهل حُجَّة أَنَّه غُرر بهم ستكفي ..!؟ فأَيُّ حُجٍّة ستُساق َأمام عالم الغيبِ والشهادة ستكفي ..!؟ فأَين هؤلاء مِن قوله تعالى (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) وأَين هم مِن قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم (إنَّ دِماءَكُم وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت).

ليتَ أَنَّ أَمثال هؤلاء يعون أَنَّ نُصرة الله ودينه لا تكون بقتل الأَبرياء مِن خلق الله الآخرين ..! ولا تكون بالتطرُف الفكري الأَعمى في دينٍ لا يَصعُب فهمه على مَن وُلدَ بفطرته، فكيف يكون الحال بمَن فهمه على حقيقته التي أَرادها الله وحده دون غيره ..!؟.

أَسأَل الله لكم الهداية قبل أَن يأَتي يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنين إلَّا مَن أتى الله بقلبٍ سليم (اللهم اِشهد أَنِّي قد بلغت).
============== (فهد خشمان الخالدي)








طباعة
  • المشاهدات: 4038
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم