26-12-2022 08:25 AM
سرايا - إذا رأيتَ دروعًا كثيرة، فثق تمامًا أنّ المناسبة بروتوكوليّة لا تحمل في مضمونها ما جاءت لأجله، وإذا ما رأيت الجوائز توزّع بالمناصفة فاعلم أنّها حلولٌ توفيقيّة لإرضاء المبدع وغير المبدع، وإذا ما رأيت الصحفي يُحكّم في لجان فنية وأدبيّة لا ينتمي لها إلا بمجرّد الابتزاز بالكتابة عنها، فقل إنّ النتيجة ستكون مجرّد تنفيعات لا أكثر ومجاملات من صاحب المناسبة ذاته، وإذا ما وجدت تباينًا في علامات لجنة تحكيم جائزة بين عضو يضع علامة 90% وآخر يضع علامة دون الرسوب، فعليك أن تدرك أنّ عوامل خارجيّة غير الكفاءة دخلت معيارًا في التحكيم..
هكذا قال لي صاحبي وهو يحاورني حول مشهدنا الثقافيّ الذي كثر فيه البروتوكول وقلّ فيه الفحوى والإفادة، مواصلًا: وإذا شاهدت منصّة الأدب والفكر والفنّ تُتاح لأيٍّ كان فهي الشهادة بانحراف المسار وتقهقر المبدع والأكاديمي والمتخصص بعيدًا أمام الشاشات الزرقاء على الفيسبوك التي انتقلت جهارًا نهارًا لتزاحمنا حتى في هيئاتنا الثقافيّة ومؤسساتنا الرسميّة.
في السياق، راجت هذه الأيّام جمعيّات الصداقة الأردنيّة الأجنبيّة، وسط محاولة تبيّن ماذا قدّمت هذه الجمعيّات، وكيف تدخل الثقافة في عملها،... أسئلة لا بدّ من قراءتها وقراءة قانون الجمعيات أيضًا الذي يسمح بان يتنادى سبعة أعضاء ليكوّنوا جمعيّة ثقافيّة في عدد قليل جدًا فتتوزع المهام الإداريّة بين هذه الهيئة الإداريّة التي هي نفسها الهيئة العامّة للجمعيّة؟!..
وتحاول الهيئات الثقافيّة أيضًا الحصول على دعم من وزارة الثقافة ومباركة عملها، في حين أنّ كثيرًا منها يجب أن يُشطب إن لم يقم بدوره أو يُنذر، مع رؤية متخصصين بأنّ قانون الجمعيّات نفسه في الأردن بحاجة إلى إعادة قراءة في موضوع الاختصاص.
ويظنّ المثقف بأنّه يُصْلح الكون، ويُواجَه بعدم الاستماع إليه، فينسحب إلى نقاط أقل في تقدير الذات ويرضى بأقلّ القليل لتحقيق مشروعه الثقافي، وربما يتنازل عن قيم ومبادئ معيّنة في ذلك، استجابةً لشروط الدعم أو المنافسة في هذه السوق الثقافية الكبيرة التي يدخل فيها المثقف وغير المثقف، والمقحم على الوسط الثقافي والفكري والإبداعي (الأدبي والفني)، ويتصف المثقف لدينا بالسرعة والاستعجال في الوصول بالفكرة الثقافية وإقناع الآخرين دون تحقيق شروط ثقافية أساسيّة، فيكون الاستعراض والشكوى والتفاعل الواهم.. إلا ما ندر، وتقريبًا أغلب نشاطات الوسط الثقافي وهيئاته، إلا القليل، هي نسخ مكررة من المحاضرات والمجاملات، وهي تزيد من كمية الغثّ في المشهد.
ويتضخم غير المتخصص على حساب المتخصص الذي قد يرضى بدرجة دنيا أو يعود إلى قواعده الأكاديميّة.
كما تشيع ظاهرة الناقد الذي هو الشاعر والروائي والتشكيلي والفوتوغرافي والإعلامي. ومع احترام تعدد الأجناس الأدبية والفنية لدى مثقفين، إلا أنّ ذلك مما كرّس لدينا ظاهرة السيطرة والهيمنة على المشهد.
وتواجه المثقفين المشكلة القديمة المتجددة، وهي التحدي المالي وقلة الدعم وتفاوته أو انعدامه، لدى جهات ومؤسسات حكومية وخاصة، مثل وزارة الثقافة، وأمانة عمان، والاتحادات والروابط والهيئات والجمعيات الثقافية.
ويواجه المثقف أو المبدع النقد الجائر أو المجامل (ظهور الناقد تحت الطلب الذي يقلب الأمور رأسًا على عقب ويكرس السيئ والرديء وربما ينال من المبدع).
ويحاول المثقف دخول المعمعة مع قلقه من منافسة وسائل إلكترونية افتراضيّة أو رقمية، يبثّ فيها الجميع، ويعطي الجميع رأيه فيها، والجميع يقيّم فيها، والجميع يبدع فيها، والجميع ينقد فيها... فهي منصّة غير منضبطة.
كما ينعزل مثقفون ويرتدّون إلى نقاط من العزلة (مرة يهاجمون بشراسة، ومرّة يهادنون، ومرّة يعتزلون المشهد، ومرّة يستنيرون، وأخرى يقومون بالتنوير، وهكذا).
ويُواجه المثقف المنضوي تحت لواء هيئات ثقافية بعدم وجود متخصص يدير هذه الهيئات أو حتى يقدم الرؤية، في ظلّ اعتماد أنشطة عشوائيّة تكرّس العلاقات والمجاملات.
كما يظهر عدم اهتمام المؤسسات والجهات الحكومية بالتخصص في لجان تحكيم مسابقات الآداب أو الفن، فقد يحدث أن ترى رئيس لجنة تحكيم للشعر روائيًّا، أو عضو لجنة تحكيم للشعر إعلاميًّا ولا علاقة له بالموضوع،.. وهكذا.
وتتجدد سيطرة الإعلامي وهيمنته بين الأمس واليوم على المشهد الثقافي، وفرض الإعلامي نفسه مبدعًا بمنبره ووظيفته، وربما يفرض الموظف الحكومي نفسه إبداعيًّا كذلك، لحاجة الوسط أو المشهد إليه.. وربما يقوم اليوم باتباع خلطة جديدة في الانتقام أو الابتزاز على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويلاحظ وجود فتور في النشاطات المنتظمة وحضورها.. وكثرة حضور أمسيات وندوات وحوارات استعراضية تتاجر بالأسماء الكبيرة دون تقديم شيء.
في ظلّ ذلك، يمكن تقديم حلول، من مثل إيمان المثقف بدوره وثقته بحتميّة إسهامه في تكوين الرأي العام والتنوير، وإيمان وزارة الثقافة بدور المثقف وكسر الحاجز بينها وبينه وعدم سيطرة مديري المكاتب أو الجانب السكرتاري في ذلك، واحترام المثقف والمبادرة إليه وطباعة أعماله، من خلال لجان موضوعية تراعي الحالة الثقافية السائدة والحاجة الأكيدة للمثقف والمبدع في ذلك، وترسيخ الوعي لدى الهيئات الثقافية بدور الأكاديميين والمبدعين.. وتعديل الهيئات والجمعيات والمؤسسات الثقافية لقانونها الأساس نحو المشاركة والكفاءة في إدارة العمل الثقافي، يُضاف إلى ذلك ترويج الكتاب، وطباعة أعمال المؤتمرات وتسليط الضوء عليها إعلاميًّا وثقافيًا.