بقلم : سهير بشناق
تجلس بمفردها تحدق بالمقاعد الفارغة أمامها... وكأنها تحاكي لحظات من الانتظار...

فيأتيها سؤال «هل تنتظرينهم.. مضت سنوات عديدة لم تعودوا تلقتوا معاً..."؟

فتجيب: أنا لا أنتظر... أنا أتذكر فقط.. فقد توقفت عن الانتظار عندما أدركت أن ما يمضي ويرحل لا يعود وستبقي تلك المقاعد الفارغة... ذاكرتي التي لا ترحل..

لا شيء يتعبنا قدر «الذاكرة» وفي نهايات كل عام تتقد ذاكرتنا من جديد وكأنها تشعل بنا كل ما نحاول أن نطفئه أو نتجاهله قليلا كي لا نتألم..

لحظات رحيل عام واستقبال آخر لحظات تعيدنا إلى نقطة الصفر وإلى البدايات وإلى تلك المقاعد الفارغة.. تعيدنا إلى أعماقنا وتضعنا في مواجهة مع أنفسنا وأوجاعنا وذكرياتنا..

في كل عام نتذكر.. نتذكر تلك اللحظات التي كنا نشعر بها بالسعادة حقا ولا نتقمصها..

في كل عام نتذكر وجوه غابت عن أيامنا وأعوامنا لكنها ما تزال تسكننا... تحيا بأنفاسنا... ويوجعنا رحيلها ولا نملك سوى أن نتذكرها..!

في كل عام ونحن نضيء شموع العام الجديد نتذكر كيف أصبحنا قادرين على «التأقلم» أكثر وأكثر مع خيباتنا وأوجاعنا... ونحن ندرك أن ما نختزنه بثنايا القلب أكبر بكثير من رحيل عام وقدوم آخر.. فبنهاية الأمر تلك أعوام تمضي وتأتي لا يمكنها أن تغير ما مر على قلوبنا وذكراتنا...

يا ليت كل عام يمضي يحمل معه أوجاعنا ويحررنا قليلا من ذكرياتنا.. فلا يؤلمنا مقعد فارغ.. ولا اسم صديق غائب.. ولا حلم كان بحجم العمر ومضى..

أمام كل عام يمضي.. نتذكر ولا ننسى فالنسيان لا ينحنى للسنوات.. يبقي شامخا بقلوبنا وأعماقنا.. لأننا نتسبدل عام بآخر فقط ونحتفظ بذكرياتنا.. نتمنى أحيانا أن ترحل عنا تلك الذكريات لنستقبل عام جديد بفرحة البدايات فقط.. ولكن بين عام سيمضي وعام سيأتي... بين تلك اللحظات القليلة فقط نكون بها أقرب إلى ذكرياتنا ونحدق بتلك الأمكنة.. ونتذكر أنهم كانوا هنا... وما زالوا بثنايا الروح...

أمام كل عام يمضي نتذكر.. ومن منا لا يتذكر... لحظة حب ولحظات من السعادة الهاربة.. ولحظات جميلة صادقة مرت علينا... من منا لا يتذكر صديق.. حبيب.. رفيق حياة.. أناس كانوا لنا في يوم من الأيام أجمل مراحل العمر وأصدقها..

نتذكر لأنها الذاكرة التي ترفض أن تغادرنا حتى ونحن نستقبل عام جديد..

أيتها الذاكرة المحملة بالكثير.. تمهلي قليلا وأمنحينا لحظات نستقبل بها عاما جديدا دون أن نتألم... ونتمنى.. ونرى تلك المقاعد الفارغة بقلوبنا.. ويجتاحنا الحنين..

تمهلي قليلا.. فما أتعبنا شيء بالحياة كتلك الذكريات... الممتلئة نفوسنا بها..

هي لم تكن تنتظرهم.. هي كانت تتذكر وتصارع حنين اجتاح كيانها واستوطن روحها.. ومضى كعام يرحل... وعام آتي...!!