26-12-2022 12:17 PM
سرايا - وسط التقدم التكنولوجي الذي حققته البشرية، أضحت العديد من الحرف التقليدية شحيحة، وبات حضورها يقتصر على فئات تسعى لتكون رائدةً في مجالاتها، أو تُحاول أن تجد فرصة عمل تضمن فيها عدم المنافسة، بما يحقق لها دخلاً يُعينها على المعيشة.
هذا ما تفعله سيدات أردنيات في محافظات جنوب البلاد، وتحديداً في الكرك، إذ اخترن مهنة النسج بالنّول ليرسمن بأيديهنّ أروع المنسوجات بألوان خيوطٍ تزهو جمالاً، وتُظهر في محصلتها حجم المجهود الذي بذلنه لإخراج قطع القماش بحلّتها النهائية.
ويُعتبر النّول من أقدم الأدوات التي استخدمت منذ قرون طويلة لإتمام عمليات إنتاج المنسوجات الصوفية التي لازمت الإنسان منذ البدايات، وله العديد من الأنواع التي تختلف تبعاً للحجم والمكونات وعوامل أخرى.
مراسل الأناضول، زار متحف الحياة الشعبية التابع لبلدية الكرك جنوبي الأردن، والذي يوجد فيه نول فريد أصبح مقصداً لسيدات المدينة الراغبات بتلقّي دوراتٍ تدريبية بمهنة النسج لضمان فرصة عمل تحقق لهن دخولاً ثابتة، أو لأغراض شخصية.
** حرفة قديمة
تجمّعت السيدات حول النول، وهو مجسّم خشبي مصنوع يدويًا، والخيوط الصوفية بألوان مختلفةٍ تلتفّ حول أطرافه وزواياه بطريقة أفقية وعمودية، فيما تقف معلمتهن عائشة المحاميد أم محمد (58 عامًا) على أدقّ التفاصيل، لضمان إتقانهنّ لأهم الخطوات التي يتطلبها العمل على النّول.
وفي حديثها للأناضول، قالت أم محمد: "الحياكة على النّول حرفة قديمة يعود تاريخها لسنوات طويلة جداً، ونحن هنا كمجتمعات بدوية وريفية نعمل على إحيائها، وخاصة في حياكة البُسُط".
وتابعت "هذا النوع يسمى النّول العمودي والأفقي، الأول يستخدم في صناعة البُسط والمفارش، والثاني لنسج القطع الصغيرة التي تحتوي على رسومات".
وعن تصميم النّول، أوضحت المحاميد أن "الخيوط الصوفية هي المادة الأساسية، إضافة إلى مكّوك ومقص ونيرة، وهذه القطعة (النيرة) تستخدم لتقاطع الخيوط".
وأشارت إلى أن "المنتجات هي بُسط وشالات وبلوزات، ومناظر وتعليقات (قطع صغيرة تحتوي على رسومات)، وجميعها تحتاج لوقت طويل كون العمل يدويًا وليس آليا".
وبينت أن "النساء هنا يلجأن لتعلم هذه المهنة لتأمين دخل لهن، وهن في الحقيقة يحتجن إلى دعم لضمان استمرار هذه المهنة في مجتمعاتنا".
ولفتت إلى أن "مدة إنتاج أي قطعة على النّول تعتمد على حجمها وتصميمها، فبعضها يحتاج إلى ساعات، وبعضها الآخر إلى أيام".
و "نظراً لارتفاع أسعار المشغولات بسبب احتياجها للجهد والوقت، وتفاوتها تبعًا لحجم القطعة، فإن الطلب عليها محليًا ضعيفٌ نوعاً ما، ولكنه كبير لفئة السياح الذين يزورون الكرك"، بحسب أم محمد.
** هوية تراثية
هند الجعافرة (57 عاماً)، إحدى المتدربات في المتحف، قالت للأناضول: "ليس بالضرورة أن أتعلم على النّول للتجارة والبيع، فبالإمكان استخدام المنتوجات لأغراض منزلية لأنها مرتفعة السعر إن تطلب شراؤها".
نور المعايطة (40 عاماً)، اتفقت هي الأخرى مع الجعافرة فيما يتعلق بأسباب إقبالها على تعلم النسيج على النّول لأغراض منزلية، لكنّها أضافت بأنها "تعشق التراث والأشياء القديمة".
وأردفت أن "التمسك بهذه المهن ميزة في جنوب الأردن، ينبع من حرصنا على المحافظة على التراث والتقاليد، لذلك نسعى إلى إنشاء مركز إنتاج يكون هدفه إحياء مهنة النسج على النّول، كهويّةٍ أردنية وتاريخية".
من جهته، أكد مدير المتحف راكز العرود (52 عامًا)، للأناضول، أن "النّول من الحرف اليدوية التي كانت تتقنه الأمهات والجدّات في الزمن الجميل، وقد ورثناها عنهن قبل أن يصلنا التطوّر التكنولوجي".
واستدرك قائلاً إن "إقبال النساء عليها هو تجسيد لواقع الحياة الشعبية واستعادة لتراث الكرك وجنوب الأردن، الذي يميزه مستوى التماسك والتشابه بالعادات والتقاليد".
** 3 أنواع
يُصنّف النّول إلى 3 أنواع مختلفة، هي: نول الإطار، ونول المشط، ونول الشريط، كما أنها تسمى أيضاً بالأرضي والعمودي.
وتختلف الأنواع من حيث نوع إطار التصنيع، فهناك ما هو مصنوع من الخشب، وهناك ما صُنع من الحديد، وعادةً ما يتم تثبيت بعض المسامير والأوتاد فيه بشكل كامل أو جزئي.
ويتم استخدام المسامير التي تثبت في الإطار من أجل شدّ الخيوط المُستخدَمة في النسج، وعملية التثبيت تعتمد على ما يريد النّاسج إنجازه.
ويُعدّ النسيج بالنّول من الحرف المهدّدة بالاندثار، نظرًا لما يحتاجه من وقت وجهد تنعكس ارتفاعاً بأسعار منتجاته مقارنةً بما تنتجه الآلات المتطورة.