31-12-2022 08:15 AM
سرايا - تحدث الشاعر والفنان والباحث في الفنون التشكيلية والبصرية، الدكتور إياد كنعان، أول من أمس، في الندوة التي نظمتها، جمعية ألوان للإبداع الفني، حول كتابه “تحولات الفن التشكيلي في الأردن من فك الارتباط إلى الربيع العربي”، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وأدارها الفنان التشكيلي الدكتور مازن عصفور، وحضرها ثلة من الفنانين وعشاق الفن التشكيلي.
قال د. إياد كنعان: “إن الهدف من هذه الدراسة هو “تعميق فهمنا لمسألة تطور الفن التشكيلي في الأردن، بوصفه جزءا من تطور الفن التشكيلي العربي والعالمي، وليس معزولا عنه، والكشف عن المدارس والتيارات الفنية التي انتهى إليها الفنانون الأردنيون، في الفترة المحصورة بين فك الارتباط بالضفة الغربية، وحتى الربيع العربي، وهي في الغالب أساليب وتيارات مجهولة لدى كثيرين، مسببة صعوبة في قبولها أو فهمها أو تذوقها، مع بيان مرجعياتها الثقافية والفكرية والفلسفية والجمالية”.
وأضاف كنعان، هذه الدراسة هي بمثابة دعوة للمتلقي، والناقد والفنان العربي والأردني للتوقف عن تناول التجارب التشكيلية العربية والأردنية بمعزل عن التجارب العالمية، عبر محاولة الكشف عن جوانب التشابه والاختلاف بينها وبين نظيرتها العالمية، ذلك أنه علينا الاعتراف بإخفاق نقدي عربي وأردني ذريع في هذا الجانب. مما يؤكد أن تطور الفن التشكيلي في الوطن العربي والأردن، لم يواكبه تطور نقدي في طريقة تذوقنا للأنماط الفنية الجديدة، بينما بقيت منهجياتنا التي استهلكناها في مرحلة “الحداثة” على حالها، بل حاولنا تكريسها من جديد، فكانت النتيجة فشلا نقديا شديدا، ونكوصا معرفيا ومفهوما أكثر إيلاما”.
ونوه كنعان إلى أن دراسته يعد طروحا نقدية سائدة على المستوى العربي، ومحاولة لتقديم قراءة نقدية ثقافية مقارنة، تتجاوز المؤثرات البنيوية الضيّقة التي طالما استحوذت على مخيلة الناقد العربي، باتجاه محاولة لفهم ظروف تلاقح الحدث التشكيلي المحلي بأبعاده الوطنية، مع جملة من المؤثرات والتيارات التشكيلية الغربية واسعة الانتشار عالميا، التي ترافق حضورها أردنيا مع الانعطافة الأهم في المشهد السياسي الأردني العام 1988، كما تتناول الدراسة المشهد التشكيلي بعد “فك الارتباط” السياسي بالضفة الغربية، ومحاولة لاستيعاب حضور مؤثرات “ما بعد الحداثة” في المشهد التشكيلي الأردني، وما شكلته من مخرج لمأزق “الهوية الوطنية” الأردنية، الذي نتج عن تداعيات “فك الارتباط”، وانعكاسات هذا التحول السياسي الأهم في التاريخ الأردني المعاصر، على محاولات إعادة صياغة “الخطاب” الثقافي الأردني في بعده التشكيلي، الذي لا يمكن تجاهل مساهمته الأساسية في رسم ملامح “الهوية الثقافية الوطنية”، سواء على المستوى الأردني أو العربي.
كما أن هذه الدراسة، بحسب المتحدث، رصدت البدايات الأولى لنفاذ فنون “ما بعد الحداثة”، وتمثلاتها الإبداعية والجمالية والفنية إلى الفن التشكيلي في الأردن، بغية تتبع المسار التطوري لتغلل مفاهيم “ما بعد الحداثة” في أعمال الفنان الأردني، عبر المعارض والتظاهرات الفنية التي أقيمت في الأردن، في محاولة لرصد العوامل الفنية والجمالية والثقافية والاقتصادية والسياسية، التي دفعت عددا من الفنانين الأردنيين إلى اختيار اتجاهات فنون “ما بعد الحداثة” في تجاربهم الفنية، ورصد للمواد والتقنيات والأساليب الفنية التي استعملها الفنان الأردني الـ “ما بعد حداثي”، ومدى ارتباطها بالأحداث المحيطة، والحياة المعيشة، وأمكنة العيش، التي تعتبر أحد المفاتيح الأساسية، لفهم أثر فنون “ما بعد الحداثة”، على الفن التشكيلي في الأردن، وإجراء دراسة مقارنة بين أعمال بعض الفنانين الأردنيين، الذين استلهموا فنون “ما بعد الحداثة”، وبين تجارب غربية وعالمية سبقتهم.
وقال كنعان: “إنه توقف في هذه الدراسة عند حقبة محورية من تاريخ الأردن والفن التشكيلي في الأردن، الذي تترافق مع المخاضات العسيرة لولادة المجتمع الأردني بواقعه الجغرافي الجديد، والديموغرافي المتجدد، كما احتوت الدراسة على نحو مائة نموذج من أعمال فنانين أردنيين، نفذت بين العامين 1988، وصولا إلى أعمال نفذت في حقبة المخاضات الأولى للربيع العربي، أي حوالي العام 2012، الذي شهد اندفاعة عربية وأردنية تشكيلية كبيرة، لجهة تبني “خطاب” الربيع العربي في جانبه السياسي بشكل خاص.
ورأى المتحدث أن الفن التشكيلي في الأردن يعيش في “عزلة”، ومصحوبة في كثير من الأحيان بـ “تشكيك”، بوجود فن تشكيلي أردني من الأساس. عززه غياب وعي نقدي منهجي بنظريات ومؤثرات وتيارات “الحداثة”، “وما بعد الحداثة” التشكيلية، على حد سواء بأبعادها العربية والعالمية، ولكن بعد العام 1990، شهد المشهد التشكيلي الأردني انتعاشا، وازدهرت تيارات “ما بعد الحداثة”. ورغم تبني الفنانين الشباب لتيارات “ما بعد الحداثة”، إلا أن حدثا آخر لافتا هو تحول في نتاج كثير من فناني “الحداثة” التشكيلية الأردنية لصالح تبني أساليب “ما بعد الحداثة”، في حالة كرست إلى حد كبير مفهوم “القطيعة” الفوكوية، السياسية والثقافية والاجتماعية، الذي ترافق للمفارقة بتعزيز مساهمة الفنان التشكيلي الأردني في رسم ملامح الحقبة الأردنية والعربية الجديدة.
وخلص كنعان إلى أن الأردن توصف من قبل البعض بـ(الجنة) الجديدة للفنان التشكيلي العربي والأردني، آخذين بعين الاعتبار أن فنون “ما بعد الحداثة” دفعت باتجاه خلق مصالحة بين العمل الفني والمتلقي، عبر التصدي لكثير من الموضوعات والقضايا الراهنة، التي تمس حياة الإنسان العربي، متجاوزة كثيرا من تابوهات “الحداثة” وموضوعاتها (الكبرى)، التي نحترمها ونجلها، منها التحديات الثقافية والحضارية التي تواجه الوطن العربي، وتحدي استرداد الكرامة والأرض العربية المغتصبة، وغيرها من الموضوعات ذات الصلة بالتحدي الوجودي العربي، في إطاره العام، لكنها انفصلت عن الهم اليومي المعيش للمواطن العربي البسيط، وسجنته في برج “عاجي” متعال في كثير من الأحيان.