02-01-2023 04:42 PM
سرايا - أعَدّ التقرير: قاسم المحاسنة -
ديب عباسي أول طالب أُردني حمل شهادة البكالوريوس
ولد أديب عباسي في بلدة الحصن شمالي الأردن في عام 1905، تلقـى تعليمه الابتدائي فيها بكتاتيب زمن الحكم التركي، وفي الناصرة في أول عهد الانتداب الانجليزي على فلسطين، والثـانـوي في دار المعلمين بـالقـدس وانهاه عام ١٩٢٧.
أهّلُه شهادتها إلى دخول الصف الثاني في الجامعة الأمريكية ببيروت، حيث أرسل في أول بعثة دراسية على حساب الحكومة الأردنية، وكان زملاؤه في البعثة فوزي الملقي وحسني فريز وجميل سماوي وصيّاح الروسان، قضى في الجامعة الأمريكية ثلاث سنواتٍ يدرُس التربية وعلم النفس والأدب العربي وكان أول أُردني حمل شهادة البكالوريوس.
بعد تخرجه عين معلماً بفي سلك التعليم بوزارة المعارف لمدة اثنتي عشرة سنة في ثانوية إربد لتدريس الأدب العربي ، ونقل بعد ثلاثة أشهر إلى عمان بسبب مؤامرة ضده كان وراءها الإنجليز وفي عمان مكث سنتين ثم نقل إلى السلط حيث قضى سنتين تكللتا بتحويله إلى مجلس تأديبي بسبب بعض الآراء التي كان يطرحها، وعمل في الكرك ثم يافا ثم في مـدرسـة «صـهـيـون» في القدس مدة سنتين، ثم عمل بعدها بوزارة التجارة والجمارك لمدة شهر ثم طرد منها بالنهاية ترك التدريس والوظائف نهائياً سنة ١٩٤٢ واعتزل الناس والحياة ما يزيد على نصف قرن.
عُرف عن أديب شغفه بالعلم والمُطالعة، فقد لُقِبَ بفأر المكتبَة لكُثرَة تواجدُة فيها، وقد شرع بالكتابة والنشر منذ كان طالباً في دار المعلمين في القُدس بينَ عامي ١٩٢٤- ١٩٢٧، أولاً في مجلة المعهد ثم في المقتطف وفيها من الجامعة الأمريكية حينما كان طالبا فيها بعد تخرجه من الجـامعـة وبطلب من رئيس تحـريـرهـا انـذاك الاستاذ فـؤاد ، والشام ولبنان ومصر منها : الفكر وكان يصدرها خليل الطـوال في دمشق والكشاف البيروتية والرائد الأردنية .
والرواية والرسالة اللتان أصدرهما الأديب أحمد حسن الزيات والثقافة التي اصدرها الأديب الكبير أحمد أمين واخيراً الهلال .
ويعتبر أديب عباسي من رواد الحركة الأدبية الأردنية في مراحل نشوئها في عهد الإمارة ، وهو رائد هذه الحركة وطليعتها' باعتراف معظم المفكرين في هذا البلد .
كـمـا كـانت له مقالات نقدية رصينة في مجلة الرسالة المصرية رد فيها على أحـمـد أمين وعباس العقاد في الثلاثينات من القرن الماضي وكـان هو الـوحـيـد من الأدباء كافة الذي أسكت العقاد ودحض آراءه ، فاحترمه العقاد وقدره لأنه لم يتعرض لشخص العقاد بالطعن والتجريح كما كان يفعل الآخرون ، بل ناقش آراءه وأحكامه بموضوعية وعلم.
خلف أديب كتاباً واحداً مطبوعاً هو كتاب «عودة لقمان» في عام ١٩٥٦، وهو مجموعة قصص وحكايات رمزية على ألسنة الطيور والحيوانات، ومقالات نُشرت بين عامي ١٩٢٧ - ١٩٣٩ في كتاب «أي الكونين هذا الكون»
وفي مُقابلةٍ خاصَة ومُغلقَة مَع صَديقَهُ القَديم الأُستاذ أكرَم المَحاسنة قالَ
أنّ ادیب عباسي ليس مجرداً عـن تاریخ أمته وتـاريـخ حـيـاتـه والظـروف الاجتماعية والسياسية التي كانت تمر بها المنطقة من استعمار انجليزي وهجمة صهيونية وتخلف اجتماعي هائل، وخروج عبقري مثل «أديب» مـن الأحـداث القلائل، هذه العبقرية التي كانت بادية منذ طفولته وشبـابـه حيـث انـه تـرك المدرسة الطائفية في الحصن لاستيائه من أصحاب المدرسة ولأنه لا يكتم الحقيقة – حيث قـام ابـن المدرس بضرب أحـدالتلاميذ ، فشهد عليه حينما انكر بـاقـي التلاميذ الحقيقة فقال المبشر: نعلمهـم ويتسببون في ضرب اولادنـا ـ وتـحـديـا لذلك المبشر الذي قال عنه : هذا فلاح ابن فلاح ويريد أن يرجع فلاحاً.
وأضاف المَحاسنة بأن أديب عباسي قد أعتزلَ مـاديـات الحياة منذ عام ١٩٤٩م في منـزلـه المسمـى «بالعقد ، في الحصـن ، فلـم يتـزوج ولـم يلهث وراء المال والشهرة بل أثر العزلة ،ولم يكن ذلك عزوفاً بالعادات والتقاليد الاجتماعية ولا باب الاغـراق في العـزلـة وانمـا مـمـارسـة طـقـوس المتعة والتـرف النفسي بين صفحات الكتب التي يعشق والاسهاب في وضع النظـريـات العلميـةوالأدبية وكتابة الشعر والقصـة التـي تتداعى مندفعة من عقله النير وأعصابه المتيقظة، وقد آثر العيش بين كتبـه ومخطوطـاتـه ويعشقها عشق الأرض العطشى لحبات المطر وعشـق الطفـل لثدي امه
لكن المرض لم يتركه وشأنه فضاقت به عزلته ضرعاً فبعث لي بخطـاب يحمـل الأبيات التالية بعنوان «رهيـن سـجـن آخر.
المحبسين غدوت عجـزاً عـن التجـوال الا في مقـامـي
خطـي محـدودة في كل عسر . بكــــرسي أسيره امامـي
وأمـا ذو المصرة فـارتحــالا .عـديـدا قـد بلا حتـى الختـام
ولاقى كل ما يكفي ارتحـالاً .من الأرضيـن او شتـى الانـام
وفي نظـر ارانـي شبـه أعمـي . وحـولي منـزلي سجـن الدوام
فلا أرأي سوى جدران سجنـي . وكيـل مـن سمـاء او رغـام
من العميـان مـحجـوز بـأرض . او السـاريـن ابــان الظلام
وبين المَحاسنة، أن أديب أُصيب بشلل في ساقيه ويده اليسرى ونقل بعدها الى المستشفى وهو يربض الآن هناك منذ ثمانية اشهر لا يستطيع الحراك ، لكن عقله المتيقظ لم
ي يطرح ما يطرح من شتى صنوف العلم والأدب
وأشار المحاسنة أنَّ اديب عباسي تبرَع بكـل كتبـه ومخطوطاته، خلاصة هذا الفكر النير والعقل المتوقد والجهد المتواصل والعزلة القاتلة أملاً أن يُصار إلى الإستفادة من هذه المخطوطات بعد نَشرِها وتَعريف القارئ العربي والأردني بنتاج هذا العبقري الفَذ.
"عودَة لُقمان"
سلسلة تضم مجموعة كبيرة من أمثال القصص او قصص الامثال جعلها اديب عباسي حينا على لسان الحيوان وحينا آخر على لسان الانسان وثالثا على لسان الجماد أو النبات وحبنا رابعا بين بعض هذه الكائنات وبعضها الآخر.
وقد مثل في كل منها لخلق من الأخلاق النادرة او خالجـه مـن خـوالج النفس الغريبة او سلوك الأحياء غير المألوف والندرة او الغرابة او البعد عن الألف فيما وصفت من خلق او كشفت من خالجة او أظهرت من سلوك ليس ندرة القلة والشذوذ ولا غرابة الخصوص والبعد عن الشمول ولا ابتعاد المغايرة والاختلاف عن خبرة الناس كافة ومشاهداتهـم ، وانمـا نـدرة الخفاء وغرابته وبعده ليس غير.
والهدف من تأليفها هو: أنه أراد أن يبعث بعض الأفكار التي لا يستطيع أن ينشرها مباشرة حيث ان النقد المباشر غير مباح في البلاد العـربيـة ويمكـن الوصول الى الهدف عن طريق الاقصوصة القصيرة، وكثير من قصص عودة لقمان في اجزائه الاثني عشر يضرب على وتر الاصلاح ، وعلى لوم الزعامات ، والمجتمع والاستعمار .
متحف أديب عباسي
تأسس هذا المتحف عام 1995م عندما تبرع به أبناء أخيه، وتم تحويـل منـزل أديب عباسي القديم (العقد) الذي بناه والده عام ١٨٩٥م، وهـو مبني من الحجارة القديمة، ويتألف من غرفتين حيث تزين جدران المبنى الأقواس المتقاطعة في سقف المبنى، مما يدل على جمالية المكان، وروعة البناء، وقـد عـاش فيـه أديب عباسي طفولته وشبابه وشيخوخته، إلى أن تحول إلى متحف أدبي يضم أعماله، ومقتنياته، وكتبه، وأثاثه.
كان الهدف من تأسيسه هو للمحافظة على مجده الأدبي والفكري، وليسهم في إثراء الحركة الثقافية في الأردن.
وفي الـعـام الأخيـر مـن مـرضه، فقـد الـقـدرة على الكلام، وضعفت حاسة البصـر،وأصابه شلل شبه كلي، حتى توفي يوم الجمعة الموافق ٩/ ٥/ ١٩٩٧م عن عمر ناهز ٩٢عاما، بعد أن أعلن اضرابا مفتوحا عن الطعام امتد نحو الأسبوعين احتجاجا على بناء الحكومة الإسرائيلية للمستوطنات في جبل أبو غنيم، وظـل مصـراً على اضرابه إلى أن فارق الحياة في المستشفى، وقـد تـم تشييع جثمانـه بعـد الصـلاة عليه في كنيسـة الـروم الارثوذكس في الحصـن في تمام الساعة الثالثـة مـن بعـد ظـهـر يـوم الأحـد المـوافـق11/ 5/ ١٩٩٧م، ثم وري الثرى في مسقط رأسه في بلدة الحصن.
الهَوامِش:
( ١ ) مُقابلة خاصة مع الأُستاذ أكرَم المَحاسنة يوم ٣١/١٢/٢٠٢٢ – والدي العَزيز أطال الله في عُمره.
( ٢ ) مجلَة صَوت الجيل، العَدد الحادي والعشرون – كانون أول ١٩٩٣ – ص ٩٧
( ٣ ) عودَة لُقمان، أديب عباسي ٢٠٠٣، مطبعة الجامعة الأردنية.
( ٤ ) عودة لُقمان، مَخطوط إعداد أكرم المَحاسنة، ص ١٨٠.
( ٥ ) رسالة من أديب عباسي بتاريخ ٢٩/٧/١٩٩١م .
( ٦ ) مُقابلة مع أديب عباسي يوم ٢٠/٣/١٩٩٧م .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-01-2023 04:42 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |