حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,19 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 12462

زوجة بـ«الريموت كنترول»

زوجة بـ«الريموت كنترول»

 زوجة بـ«الريموت كنترول»

03-01-2023 09:03 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - لا أعرف حتى الآن كيف وصلت إلى هذا الوضع، كيف اختزلت العالم بأكمله حتى أصبح بحجم كف يده ليحكم قبضته علىّ.. كنت مجهدة لا أملك الرغبة في الفرار، بعدما ناضلت طويلا لأتحرر من ضغوط الأسرة والفقر ووصاية الإخوة ومراقبة الحى الشعبى الذي وُلدت فيه.

اعتبرت حريتى هديتى الثمنية للرجل الذي انتظرته طويلا، بعدما أسرفت في السير وحيدة واعتدت الحياة بلا رفقة حتى أدمنت الاستقلال، وأسقطت من الذاكرة كل آثار التعسف الذكورى، وكل بنود الوصاية والولاية، ومحوت من قاموس حياتي مفردات المساءلة والتشكيك: من يحدثك.. متى عدت.. أين كنت.. واعتبرت أن «التعليم» هو السلم الوحيد المشروع ليخلصنى من الوصاية على قلبى والحجر على عقلى ومستقبلى، ثم بدأت رحلة العمل.. والغريبة أن أولى تجاربى في الحياة كانت سكرتيرة في مكتبه!.

كان يكبرنى بحوالى عشرين عامًا لكنه اقتحم مجالى الاجتماعي.. يزاحم الأصدقاء ويصطدم معهم لإبعاد الآخرين عنى، شعرت بأن غيرته تكسب الأيام طعما مختلفا، ورنين الهاتف حين يكسر صمت الليالي يبدد وحشتها ويعطى للانتظار معنى وقيمة، وأصبحت أختصر المسافات كلها بين العمل والأهل والأصدقاء لأدخر الدقائق والثواني لانتظاره.. عرفت معه اللهفة والبهجة.. وأصبحت أتعمد التمرد كالأطفال لأرى الحيرة في عينيه.. كان لديه يقين أنه ملك مشاعرى واحتل حياتى.. وأراد أن يجمع كل الخيوط في يده ويحركنى كعرائس «الماريونيت».

سخّر كل إمكانياته ومنصبه لأكون أميرته وأسيرته، أغدق عليّ بالهدايا والمجوهرات واشترى لى سيارة وشقة في حى راق، وكنت أرافقه في كل رحلاته داخل وخارج مصر، كنت مبهورة بعالمه وقدرته على تحقيق كل أحلامى.. لكنه أيضًا سخّر كل تكنولوجيا العصر لإخضاعي، يعد أنفاسى ويسجل تحركاتى.. سوف تسألين عن المقابل؟.

نعم سيطرت عليّ حالة من الخدر اللذيذ، فاستسلمت ودفعت الضريبة طواعية، وبادرت بنشر أشواقى مقدمًا على أعتاب حياته.. حياته تلك التي لم أجرؤ على التوغل فيها!.

ممنوع الاقتراب.. لافتة ضخمة كنت أراها بوضوح.. وأنكرها: إنه «زوج وأب».. كنت قانعة بمساحة الظل التي يمنحها لي: جرعة مكثفة من العواطف في أقصر مدة زمنية ممكنة، أحلق خلالها في فضاء أرحب من عالمه الذي يضيق بإعلان حبنا، ضن عليّ بأبسط حقوقى.. إعلان وجودى «كتابة صك الملكية»، وكان صدرى يتسع لصراعاته وعقلى يتجاوز سذاجة حججه ومبرراته.. كنت أدرك أزمته الحقيقية.. أدرك أنه يتنصل من دفع (فاتورة الغرام).. فأحاصره بمزيد من الحب.. لم أتسلل من بين أصابعه أو أعلن التمرد العاطفى، وتقمصت في بلاهة غير مبررة دور (المرأة الخفية) وأنا لا أتقن أداءه، لم تعرف شفتاى عبارات المطالبة وجعلت التنازل عنوان علاقتى معه.. «امرأة بلا حقوق»، أتحرك وفق إشارات يصدرها (ريموت كنترول) بيده وحده يجذبنى إليه بشدة وقتما يشاء.. يتحكم فيّ عن بُعد، تعلمت الخرس في حضرته، وأصبح من المعتاد أن يتخذ قرار الهجر فأعقب بابتسامة المهزوم حفاظا على كبريائى.. ثم يعود فجأة بثوب المشتاق فأسحق كرامتى، اعتدت الانكسار، ليستمر سيناريو الألم، يهجر فأنتظر.. ويعود فأصفح.

إنه انكسار من نوع أكثر مرارة من الفقر ووصاية الأهل ونظرة المجتمع، ربما لأنى اخترته بنفسي وأصبحت لا أملك الاستغناء عن حياتى الجديدة، وأنتظر اللحظة التي يصبح وجودى فيها حقيقيًا.. ولم أشعر للحظة بأن علاقتى به آثمة، أصبحت -مع الوقت- أشعر بأنى صاحبة حق أصيل فيه.. ومن هنا بدأت أحاصره بالتساؤلات: ما الذى يعطى للعلاقة العاطفية توازنها، هل هو العطاء من جانب واحد.. أم تبادل الحقوق والواجبات؟.
ما الذى يكسب الحب مشروعيته، اختلاس اللحظات الدافئة.. أم مناخ اجتماعي يتسم بالصراحة والعدالة؟.. كيف يتحقق الحب، بجدران بيت وضحكة طفل.. أم ببطارية لجهاز ريموت كنترول ورجل يحركنى عن بعد؟!.

وحين تأكد أننى أضيع من بين يديه لم يكن لديه ما يقدمه لى سوى ورقة «زواج عرفى»، واشترط شروطا كثيرة، أهمها السرية وألا أنجب منه!.

حاول أن يقنعنى بأن الزواج العرفي مقنن وهو لا يعلم أننى فقط كنت أود الخروج من مأزق «عدم بكارتى».. ودخلت التجربة، كانت أشد قسوة من علاقتنا خارج دائرة الزواج، فكان يأتينى خلسة واكتفى بمقابلتى في المنزل وقرر ألا أرافقه في رحلاته حتى لا تشك زوجته.. وبالطبع لم يبت عندى إلا ليالي معدودة وعندما كنت أمر بأزمة صحية مثلا كنت أخشى أن أتصل به.. ثم حدث ما لم أتوقعه: فوجئت بأنى «حامل» رغم أننى اتخذت الاحتياطات اللازمة، حين أخبرته ثار وجن جنونه وسبنى بأبشع الألفاظ لأول مرة وخيرنى بين الطلاق أو إجهاض الجنين!.

أحسست أننى رخيصة جدا في نظره وأنه لم يقدر تضحياتى من أجله، وكل ما يخاف عليه بيته وزوجته وأولاده.. أما أنا فمجرد «متعة عابرة» يضحى بها بلا ثمن حفاظا على حياته وسمعته واستقراره.

ودخلت في دوامة من الحيرة، هل أجهض الجنين لأكسبه وأحتفظ بزواجنا.. أم أحتفظ بالجنين حتى لو تخلى عنى أو واجهت فضيحة اجتماعية؟.

هل أظل بقية حياتى «خليله في السر» رغم أنى زوجته.. أم أهدم المعبد على رؤوس الجميع؟.. علمًا بأنى أعرف زوجته وأدق أسرار عمله.

في النهاية، لم أجد سوى اللجوء إليك طلبًا للمشورة، ولا أخفيك سرًا أنى لا أخشى على حياتى من الإجهاض ولا من فكرة الحرام بقدر ما أخشى أن أفقد الاستقرار الذي أعيش فيه الآن.








طباعة
  • المشاهدات: 12462

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم