05-01-2023 08:36 AM
بقلم : د. أميرة يوسف
يحظى المشهد الأردني بتنوع ثقافي دامج، وبيئة غنية بمكوناتها ومكنوناتها التي تشمل عنصر الإنسان والتراث والحضارات الزاخرة، والصراعات والوقائع والمعارك والأضرحة، والنمو العمراني والمجتمعي، إضافة إلى اندماج وتمازج الثقافات التي تتوالى بسبب الهجرات المتعاقبة، مما يجعل من الساحة الأردنية بيئة خصبة لابد من الاستثمار فيها برؤية هادفة قادرة على التغير وإحداث نقلة مجتمعية نوعية. فالثقافة تحدث التغيير في حياة المجتمعات، وتنشر الوعي وتنشيط سلامة الإدراك وامتلاك الفكرة والأسلوب سعيا للتطوير، وتخلق بيئة ثقافية نامية حاضنة للطاقات، وتنشء نمط حضاري ينعكس على سلوكيات المجتمع كنمط حياة، وهي التي تؤصل للقيم الاجتماعية الأصيلة المستمدة من القيم الإنسانية.
فالثقافة هي الإنسان، والإنسان هو المجتمع، وأرض المجتمع هي الوطن، وهي التي تنسج ثقافة مجتمعية واعية خيوطها القيم والأخلاق الثابتة، وتعمل على تأصيلها في ضمير المجتمع والمناطق وتستنهض السلوك الإيجابي في الأفراد، وتنتج بنية شبابية تسعى للريادة والإنتاج الفكري، وتفتح آفاق متجددة للتميز والإبداع الثقافي لتحقيق مستقبل أفضل.
وعل حلول الكثير من مشكلات المجتمع تكمن في الثقافة التي تسود أفراده كسلوك ونمط حياة، ليبرز الإنسان الأردني في عالم انفتحت أفقه وتجاوزت تلك الحدود السياسية التي مازالت قائمة في الخرائط ومحكية في اللغة السيادية، وليكون ذا هوية تميزه عن الآخر الذي انتشر متجاوزا ضيق الحدود، ودخلت ثقافته للبيوت عبر الشاشات باختلاف أنواعها، وجسدت من نفسها إنسانا ينشر ثقافته ويعرف عن بيئته مستقطبا للآخر ليعرفه لا بل ليقلده ويتخذه قدوة، ويرغب في شد الرحال إلى دياره سائحا في بيئته، ومثل هذا يتطلب منا بعض المجهود ولا سيما أنه لا ينقصنا أي مقوم من مقومات الآخر لا بل نتفوق عليه بتنوع مشهدنا الأردني كما أسلفت الذكر، وجل ما نحتاجه هو:
أولا: ثقافة تهدف لإعادة إنتاج القطاع الثقافي بصورة عصرية تخاطب لغة العالم صوتا وصورة، من خلال إنشاء مراكز ثقافية وطنية في المحافظات تطلق أنشطة الإدارة المتكاملة للإنسان وتستهدف إعادة إنتاج المعرفة، تمكن الشباب من إدارة التقنيات وتوظيف التكنولوجيا في صناعة المحتوى الهادف، وفنون التصوير وإنتاج ثقافي منافس في المنصات الثقافية على مستويات محلية وعالمية، يستهدف النشر والاستقطاب لرفد قطاعي السياحة بشقيه السياحة الترفيهية الثقافية والسياحة العلاجية، وتنشيط القطاع الاقتصادي.
ثانيا: تأصيل القيم المستمدة من قيمنا الإسلامية والاعتزاز بالهوية الأردنية، واحترام الآخر وتقبل الاختلاف والتجانس في إطار المواطنة الفاعلة، وإعادة استنبات عادات حسن الضيافة والكرم، والنخوة والمساعدة، والترابط الأسري والتكافل المجتمعي، والاحترافية والإتقان والصدق، الاستدامة الخضراء الرافضة الجريمة والعوز وكل ما يشوه الصورة الأردنية المشرقة.
ثالثا: احتضان المواهب وتشجيع الإبداع والابتكار حرصا على استدامة نمو القطاع الإنساني المهتم بالإرث الثقافي والحضاري ومقدرات الوطن التراثية والأدبية، والمهرجانات والمسرح وبالبيئة الناظمة للأدب والتأليف والنشر المؤطرة لثقافة الجيل.
رابعا: اعتماد الثقافة كمصدر من مصادر التشغيل وزيادة الدخل القومي بتبني برامج دعم القدرات واستثمارها وتنمية إمكانيات الشباب واليافعين والنساء، وتمكينهم لإغناء الناتج الوطني القادر على الدفع بعجلة التنمية السياحية بمجالاتها العلاجية والتسويقية والأثرية الحضارية، والاهتمام بالصناعات اليدوية والتراثية التي نتميز ونشتهر بها، والأزياء الوطنية وفنون الطهي التي تبرز المطبخ الأردني المتنوع والغني.
خامسا: عرض خيارات ترفيهية أكثر حيوية تعتمد على تنوع الفرص والخيارات الترفيهية الهادفة التي تحمل فكر حياة إيجابية وأنماط تفاعل تفرز شخصية الفرد الأردني وفكره، وتجذب وتعزز السياحة الثقافية والاقتصاد الوطني من خلال إطلاق فعاليات ممارسة الهوايات والمتاحف والمعارض والمهرجانات المتنقلة، واستضافة الفعاليات الرياضية بنمط خارج عن المألوف يستثمر تنوع التضاريس (الجبال في الشمال والجنوب، وادي رم والرمال، شاطئ العقبة وغيرها.
سادسا: إدراج مواقع السياحة الثقافية على خارطة الأردن على مستوى تنوع وتداخل الحضارات، والمعارك والوقائع التاريخية والأضرحة والشعوب والمطابخ.